«كمبوشة» للمسرح الشعبي عالجت السلبيات فبرز العرض ناضجاً
المسرحية عُرضت ضمن فعاليات «صيفي ثقافي 12» على «الدسمة»
ظهر عرض مسرحية «كمبوشة» للمؤلف عثمان الشطي، وإخراج نصار النصار أمس الأول، أكثر نضجا ووضوحا في الهدف والرؤية من العرض الذي قُدم في مهرجان الكويت للمسرح الـ17، بعدما أخذ حقه في النضج والاتقان.
جاء عرض مسرحية "كمبوشة" لفرقة المسرح الشعبي مساء أمس الاول على مسرح الدسمة، ضمن فعاليات مهرجان "صيفي ثقافي 12"، أفضل من حيث التماسك، وأكثر نضجا في الربط، من العرض الذي قدم في الدورة الـ17 لمهرجان الكويت المسرحي، بين الموضوع وشخصياته، ربطا منطقيا جعل المسرحية وحدة متماسكة ذات دلالة واضحة الملامح طبقا لتسلسل منطقي لاحداثها وليس تسلسلا زمنيا.واستطاع فريق عمل المسرحية رغم غياب 2 من أبرز عناصره هما هبة مطيع وخالد السجاري، اللذان حلا محلهما فرح الحجلي ومحمد عاشور، الإبحار بالمتلقين في فلك أحداث الموضوع الانساني النبيل الذي تناوله بمهارة فائقة مؤلف المسرحية عثمان الشطي، والذي يهدف منه إلى تعلية الإحساس بقيمة وقدرة وأهمية كل إنسان وعمله مهما كانت نوعيته، ومن الواجب احترامها، سواء في الفن أو الحياة. ولمس الجميع حالة الاندماج بين خشبة المسرح والصالة في زمن العرض الذي كان الاقرب الى محاكمة الذات عما آلت إليه اوضاعنا من خلال نقل المتفرج إلى الحياة الواقعية، من خلال تشخيص نقل جوهر الأشخاص في أزمانهم وصراعهم ومواقفهم الحياتية، واطلعنا على أفكارهم ومشاعرهم وصور لنا أحاسيسهم من خلال لغة سهلة وملائمة لمظهر ودور الشخصية الناطقة بها، لكي لا يسبب عدم التلاؤم خللا للصورة الفنية في ذهن المشاهد.
ومن الواضح ان مخرج المسرحية نصار النصار عالج الكثير من الملاحظات التي اخذت على العمل في السابق، من خلال المشاركين في الندوة التطبيقية الخاصة بها، التي اقيمت عقب عرضها في مهرجان الكويت المسرحي في قاعة الندوات بمسرح الدسمة، والتي أدارها الفنان الإماراتي عمر غباش، وكان المعقب على العرض د. فهد الحارثي بجانب المؤلف عثمان الشطي والمخرج نصار النصار، وخاصة في جانب الدلالات والاسقاطات التي ربطها بالحركة والضوء والنغمة فبرز الهدف واستمتع من حضر. قسم نصار النصار فضاء المسرح وأرضيته إلى غرف منعزلة جرت فيها الكثير من الحوارات المنفصلة، فاتحا لمجريات الفعل مجالا مفتوحا على العديد من التأويلات والإسقاطات الحياتية والدلالات الإنسانية المختلفة التي تبلورت بشكل اكثر وضوحا من خلال تمازج "السينوغرافيا" وتماهيها مع النص المسرحي، سياق فني مفعم بالحيوية، وقد اضاف استخدام الموسيقى والغناء لإضفاء الأجواء الفنية المطلوبة، وعبرت الأزياء البسيطة بشكل واضح عن المعنى الحقيقي والرمزي للعرض المسرحي.وفكرة المسرحية التي صاغها فكر عثمان الشطي تتمحور حول فريق مسرحي افتراضي يقدم بروفات مسرحية افتراضية ومن ثم تنشأ الصراعات المعلنة والمخفية بين طاقم العمل من مؤلف ومخرج ومنتج وممثل وملقن، وبالتالي استمرت الفرجة المسرحية في تطوراتها من أجل إبراز جوانب خفية، لا تظهر في العمل المكتمل، أو ما يطلق عليه "من وراء الكواليس"، هذه الجوانب تتمثل في الصراع الذي يستشري بين طاقم العمل من أجل الاستحواذ على الأضواء، فالممثلة تريد أن تكون بؤرة الاهتمام مصوبة تجاهها من أجل المزيد من الشهرة والبريق، بينما المؤلف يصارع من أجل أن يكون هو الأكثر وضوحا وتميزا، وهكذا، وهذه المتوالية الفنية، هي انعكاس أو إسقاط رمزي للواقع الذي يشهد صراعات عديدة ومتشعبة، تلك الصراعات التي تجعل الأطراف المختلفة تتنافس فيما بينها باستخدام أدوات مشروعة أو غير مشروعة.وكان المهم في الطرح الوصول إلى المأمول من دون النظر إلى الضحايا الذين يسقطون في الصراع نتيجة ضعفهم أو قلة حيلهم، أو لأسباب أخرى قدرية، وبالتالي ليس هناك شفقة ولا رحمة، لأن الصراع محتدم بلا هوادة.والمسرحية يغلب عليها الطابع الكوميدي المرصع بطابع تراجيدي، وفق ما أبداه الممثلون من أداء على خشبة المسرح، وهم بشار عبدالله وفرح الحجلي وعثمان الصفي وحسين العوض وعبدالله السبكي ومحمد أكبر ومحمد عاشور، ومن ثم استلهم الممثلون من خلال أدوارهم روح الصراع على النجومية التي تتسرب بشكل رمزي على مغانم الحياة بكل بريقها وملذاتها، إضافة إلى إبراز بعض الهموم المتعلقة بالعاملين في قطاع المسرح وما يجابههم من صعوبات ومشكلات لاسيما "الملقن" الذي يسكن "الكمبوشة" الشخصية الرئيسة في المسرحية التي دارت حولها الأحداث، والذي اشتق المؤلف الشطي اسمها أو عنوانها من مكان لكونه من الجنود المجهولين لنجاح أي عمل مسرحي، وتحديدا في الأيام الأولى من العرض، حيث يلعب دائما دورا كبيرا في الحفاظ على تسلسل الأحداث، ويعيد الممثل إلى نص دوره في حالة الخروج عنه بالارتجال في بعض المواقف، حتى لا يصاب البناء الدرامي بخلل ويفقد إيقاعه.وجاء العمل متناغم الفكرة مع استغلال المسرح بأركانه من خلال حركة مدروسة رغم العدد الكبير من الممثلين في أكثر من مشهد، وأدوات تقنية ملموسة، سواء من التلاعب بالإضاءة وألوانها وفقا لمتطلبات الموقف، سواء كان رومانسيا أو عصبيا، أو استحضار الموت للمخرج عقب محاكاته من زملائه في العمل، وكأن النصار يوصل رسالة لنفسه بالصوت المسموع العالي ولغيره من المخرجين بأن اللعب بروح الفريق أحد أهم أسس النجاح، وأن الاستئثار بالرأي ربما يضبط الإيقاع على خشبة المسرح، لكن العرض يفقد روح الإبداع والتجليات من الممثلين.
العرض قدم بعض الهموم المتعلقة بالعاملين في قطاع المسرح