تراقب الأوساط السياسية، في بغداد، متغيرات جديدة، من شأنها إدخال «تعديل جديد» على العلاقة مع طهران، انسجاماً مع مرحلة ما بعد تنظيم «داعش»، والإنجازات العسكرية التي تحققت إثر تحرير الموصل، ثاني أكبر مدينة في البلاد، إلى جانب الانفتاح غير المسبوق مع الرياض. وليس آخر تلك المتغيرات، ربما، «الانقلاب الأبيض» الذي قاده عمار الحكيم، الاثنين الماضي، داخل حزب المجلس الأعلى الإسلامي، بخروجه منه، وتأسيس تيار جديد قام بإقصاء «الحرس القديم»، وجاء بقياديين شباب لديهم صلات طيبة بالمحور الغربي.

وتبدي الأطراف المقربة من طهران انزعاجها من تسارع هذه التحولات، خاصة أن حكومة حيدر العبادي، التي أنتجها الجناح الشيعي الموصوف بالاعتدال، نجحت في تقليص دور الميليشيات، إذ أصبح الجيش الحكومي وقوات النخبة في دائرة الضوء، وتتجه إليهما أنظار الجميع، مما سيلعب دوراً مهماً في صياغة اتجاهات الناخبين، خلال الاقتراع العام المتوقع في ربيع 2018، إلى درجة جعلت رئيس الحكومة يتجاهل ذكر قوات الحشد الشعبي، في بيان النصر، لأنها لم تلعب دوراً مهماً في المعارك، منذ نحو سنة ونصف، إثر تزايد إمكانيات القوات النظامية، تدريباً وتسليحاً ودعماً دولياً.

Ad

ولا يعني هذا أن جناح العبادي في وارد دخول مواجهة حادة مع النفوذ الإيراني، لكن هذا الجناح يقول، في العادة، إنه يؤمن بضرورة «إعادة بناء التوازن»، الأمر الذي يشجعه الحضور الأميركي في الحرب، ومشاريع إعادة الإعمار، إلى جانب الانفتاح الخليجي اللافت على العراق، والذي يجعل إيران أمام واقع سياسي مختلف، يتراجع خلاله دور حلفائها، بما في ذلك الفصائل المسلحة التي تدعمها.

وتعترف مصادر عراقية مقربة من قيادة الجيش، بوجود مستشارين إيرانيين، يدربون فصائل المتطوعين الشيعة، منذ ظهور تنظيم داعش عام 2014 ، موضحة أن هناك نحو 200 ضابط ومدرب إيرانيين، معظمهم يعمل في سلاح المدفعية، يساعدون عدداً من الميليشيات الشيعية... لكنها تؤكد أن هؤلاء ليس لهم علاقة، أو تأثير في المؤسسة العسكرية النظامية، التي تعتمد التسليح والتدريب الأميركي، بالدرجة الأساس، ويعمل معها آلاف المستشارين العسكريين الأميركيين.

وتقول المصادر إن المهم في ملف المتطوعين والحشد الشعبي هو تطبيق قانون الحشد، الأمر الذي ناقشه العبادي مع قادة الفصائل، مطلع الأسبوع، مشدداً على أن الانضباط يجب أن يشمل جميع المقاتلين.

وتحاول أطراف عراقية، محسوبة على طهران، القول إن حكومة العبادي «تمادت في الاقتراب من واشنطن»، ثم «تمادت» في التعاون مع الرياض، أخيراً، واصفة هذا بأنه «خضوع لن يقبله الجمهور العراقي».

لكن الجناح السياسي، الذي يمثله رئيس الحكومة، يوضح مراراً أن العراق دخل شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة، منذ سنوات، وهي تتجاوز التعاون العسكري، لتتركز في صناعة النفط والاستثمارات والإنشاءات، وهذا «نهج لإعادة بناء الدولة» يلقى قبولاً واسعاً بين العراقيين، وليس «خضوعاً لإملاءات».

ويعتقد هذا الجناح أن ظهور «داعش» أوضح للعراقيين أنه لا إيران ولا روسيا، يمكنهما لعب دور حاسم في دعم القوات العراقية، بينما ساهمت الولايات المتحدة بفاعلية في بناء قوات النخبة، ووفرت الإسناد الجوي المؤثر، والدعم الدولي الواسع.

وتتحدث المصادر الأميركية عن بقاء آلاف من مستشاريها العسكريين لأغراض تدريب القوات العراقية، ما سيعني وجوداً طويل الأمد - بموازاة حضور متزايد للشركات الأميركية - ودوراً مؤثراً تقوم به واشنطن، لمساعدة بغداد على إصلاح السياسة الداخلية، وإبرام تسويات مع الأطراف الأخرى، وصياغة استقرار جديد يمنع حصول انتقام، بعد الحرب، كما يدير التوتر الطائفي على نحو يمنع ظهور أسباب جديدة للتمرد المسلح.