ليس مقصوداً بالعنوان العاصمة المصرية العريقة، مدينة الألف مئذنة، بل الكيان السينمائي المخضرم «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي»، الذي يُعد واحداً من 15 مهرجاناً سينمائياً دولياً مُعترفاً بشرعيتها من الاتحاد الدولي للمنتجين. فالمهرجان الذي تربطه علاقة تاريخية بالجمهور المصري، من عاشقي السينما، ومحبيها، والمهتمين بها، يكاد يمرّ بمنعطف خطير، بسبب الأزمة المالية الخانقة التي يعيشها هذه الأيام، وتكاد تدمر علاقاته بالمحيطين به أو المتعاملين معه، في ظل تجاهل تام من الدولة، التي تشرف على تنظيم المهرجان، ممثلة في وزارة المالية، التي ترصد له موازنة سنوية تُقدر بستة ملايين من الجنيهات المصرية، ووزارة الثقافة، التي تُعين رئيسه، وتُراقب طرائق الإنفاق عليه!كان المتوقع، حسبما يقول المنطق، أن يُساهم الدعم الذي أعلنت وزارة السياحة المصرية تقديمه، ويبلغ قدره مليوني جنيه مصري، في إقالة المهرجان من عثرته المالية، والحفاظ – على أقل تقدير– على استقراره الاقتصادي، ومن ثم كانت الخطوة محل حفاوة وترحيب من إدارة المهرجان، التي لم تفوت مناسبة من دون الإشادة بوزارة السياحة، وهيئة تنشيط السياحة خصوصاً، إلى الحد الذي دفع إدارة الدورة الثامنة والثلاثين للمهرجان (15– 24 نوفمبر 2016) إلى تخصيص مقعد في منصة المؤتمر الصحافي، الذي عُقد في 27 أكتوبر الماضي، لإعلان فعاليات الدورة، للسيد هشام الدميري رئيس هيئة تنشيط السياحة، مندوب وزير السياحة، جنباً إلى جنب مع رئيسة المهرجان د. ماجدة واصف، والمدير الفني الناقد يوسف شريف رزق الله. بل إن مندوب الوزير ألقى كلمة أشار فيها إلى حجم التعاون بين وزارة السياحة والمهرجان، مؤكداً العلاقة الوثيقة بين السياحة والسينما بوصفهما «وجهين لعملة واحدة»، وشدد على دعم وزارة السياحة لأي حدث له أثر إيجابي ومردود فعلي في سمعة مصر.
هكذا تحدث «الدميري»، باسم وزير السياحة، قبل انطلاق الدورة الثامنة والثلاثين بأسبوعين تقريباً، ولم يغادر مكانه على المنصة من دون أن يصف السينما بأنها «القوة الناعمة التي تحسن صورتنا في المنطقة والعالم». واختتم المهرجان أعمال دورته الثامنة والثلاثين، وبدأ يعد العدة للدورة التاسعة والثلاثين (21 – 30 نوفمبر 2017)، من دون أن تنفذ وزارة السياحة وعدها، بل ماطلت في تقديم دعمها، وهي التي قدمت، عندما كانت تأخذ الأمور بجدية، شيكاً مصرفياً يُقدر بمليوني جنيه، من حساب هيئة تنشيط السياحة، قبل انطلاق الدورة السابعة والثلاثين (11 – 20 نوفمبر 2015)، وترتبت على المماطلة الأخيرة عواقب وخيمة، على رأسها – مثلاً – قيام بعض الشركات التي تعاملت مع المهرجان، في دورته الأخيرة، برفع دعوى قضائية، وتوجيه «إنذار على يد محضر»، لمطالبة إدارة المهرجان بتسديد المستحقات المالية المتأخرة، بينما أرسلت الإدارة – مشكورة –خطابات إلى المتعاملين معها، من صحافيين ونقاد، على سبيل الطمأنة والتهدئة، لتؤكد أن المستحقات المتأخرة ستُصرف مع ورود الموازنة المالية الجديدة للمهرجان، فيما لجأت رئيسة المهرجان إلى تهدئة خواطر الموظفين المُعينين في المهرجان بأن صرفت رواتبهم عن شهر يونيو الماضي من حسابها المصرفي الشخصي، وهو التصرف «الدبلوماسي»، الذي لجأ إليه سابقاً الفنان حسين فهمي عندما كان رئيساً لمهرجان القاهرة السينمائي إبان عهد وزير الثقافة فاروق حسني!يحدث هذا كله، قبل أربعة أشهر من انطلاق الدورة التاسعة والثلاثين (21 – 30 نوفمبر 2017)، التي لا يعرف أحد كيف ستُسيَّر أعمالها، ويُنفق على فعالياتها، في ظل ما يتردّد عن تخصيص جزء من الموازنة الجديدة لتسوية المديونيات القديمة، ويُقدر إجماليها بثلاثة ملايين من الجنيهات، أي نصف موازنة المهرجان، وهو ما يستدعي من وزير الثقافة حلمي النمنم التحرك الفوري للعمل على زيادتها، والدخول في مباحثات مباشرة، مع نظيره في وزارة السياحة، لحل مشكلة الدعم المُجمد، وأفاق الدعم الجديد، وتصعيد الأزمة إلى رئيس الوزراء في حال اقتضى الأمر، خصوصاً أن وزارته تمثل جزءاً من المشكلة، وعنصراً رئيساً في تفاقمها، بإصرارها على الإمساك بالخيوط كافة في أيديها، والتنبيه على إدارة المهرجان بعدم الدخول في مباحثات مباشرة مع وزارة السياحة، وتفويض حسن خلاف مدير قطاع مكاتب وزير الثقافة وحده في حل المشكلة، التي ظلت تتفاعل، وتتصاعد، وتتفاقم، وغادر موقعه في الوزارة، بحكم قضائي، من دون أن ينجح في حلها!
توابل - سيما
«القاهرة» في أزمة!»!
28-07-2017