خضعت إسرائيل للضغوط التي مورست عليها سعيا لاحتواء التوتر المتصاعد بمدينة القدس الشرقية المحتلة، وأزالت كل تدابيرها الأمنية التي استحدثتها في المسجد الأقصى عقب اشتباك مسلح وقع في باحة الحرم القدسي في 12 الجاري، وأودى بحياة شرطيين إسرائيليين.وحثت قيادات إسلامية في مدينة القدس الشرقية المحتلة المسلمين على العودة إلى الصلاة بالمسجد الأقصى، بعد أن تراجعت إسرائيل في مواجهة احتجاجات، اتسمت بالعنف في أغلب الأحيان ودامت 10 أيام، وأزالت كل أجهزة الفحص الأمني وكاميرات المراقبة التي كانت قد وضعتها في الموقع.
جاء قرار إسرائيل إزالة أجهزة الفحص الأمني والحواجز والسياجات الحديدية وكاميرات المراقبة، بعد جهود دبلوماسية للأمم المتحدة استمرت أياما، وزيارة مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشرق الأوسط، وضغوط من دول في المنطقة منها الأردن وتركيا.
رضا وتراجع
وقوبل التراجع الإسرائيلي باحتفالات وتجمع للمقدسيين قرب باب الأسباط أحد أبواب الحرم القدسي أمس.وأعلنت القيادات الإسلامية رضاها عن تراجع السلطات الإسرائيلية عن إجراءات الأمن الجديدة، لتفادي تحول أعمال العنف التي أسفرت عن مقتل 9 أشخاص من بينهم 3 مستوطنين إلى انتفاضة جديدة. ودعت اليوم إلى إغلاق جميع المساجد بالبلدة القديمة وإقامة صلاة العصر بالأقصى، لتنهي بذلك أسبوعين من رفض الصلاة داخل أولى القبلتين وثالث الحرمين. وقال رئيس مجلس الأوقاف عبدالعظيم سلهب: «تقرير اللجنة الفنية أظهر أن كل المعيقات التي وضعتها سلطات الاحتلال قد أزيلت». وأصدرت الفصائل السياسية الفلسطينية بيانات تدعم إعلان مجلس الأوقاف، مما قد يساعد في احتواء الاضطرابات. وقبل الإعلان كانت الفصائل تدعو إلى «يوم غضب» عقب صلاة الجمعة اليوم.وأيد الرئيس الفلسطيني محمود عباس الدعوة للعودة إلى المسجد الأقصى، خلال اجتماع للقيادة الفلسطينية في مقر الرئاسة برام الله، قال فيه «الصلاة ستعود إلى الأقصى»، مشيدا «بصمود المقدسيين مسلمين ومسيحين في وجه إجراءات الاحتلال بحق المسجد الأقصى».وأكد رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية أن «الشعب الفلسطيني وأهل القدس أثبتوا أنهم الأمناء على الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية»، مبينا أن «ما حدث يؤكد قدرة الشعب على انتزاع حقوقه ودحر الاحتلال».ووقعت اشتباكات عنيفة أصيب خلالها 50 فلسطينياً، بعد مواجهات مع القوات الإسرائيلية. واندلعت مواجهات محدودة بسبب إغلاق إسرائيل أحد أبواب الأقصى وقتا وجيزا، إلا أن حدتها ارتفعت بعد أن هاجمت قوات الأمن الإسرائيلية المصلين، الذين رفعوا علما فلسطينيا على سطح المسجد الأقصى.ترحيب أردني
في هذه الأثناء، رحبت الحكومة الأردنية بتراجع إسرائيل عن الإجراءات الأمنية التي استحدثتها في الحرم القدسي، ووصفتها بأنها «خطوة لابد منها لتهدئة الموقف ونزع فتيل التوتر».وقال وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة، محمد المومني، إن «تفكيك البوابات الإلكترونية وإزالة ممرات التفتيش وإلغاء كاميرات المراقبة وإزالة قواعدها، هي خطوات لابد منها في سبيل الحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي القائم في القدس من أجل التأسيس لأفق سياسي لحل النزاع على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية».جهود سعودية
إلى ذلك، أكدت المملكة العربية السعودية، أمس، أن الملك سلمان أجرى اتصالات بالولايات المتحدة وقوى عالمية أخرى لمحاولة منع إغلاق الأقصى أمام المسلمين ونزع فتيل التوترات السياسية والدينية بالمنطقة.وذكر بيان صادر عن الديوان الملكي أن «خادم الحرمين الشريفين أجرى خلال الأيام الماضية الاتصالات اللازمة بالعديد من زعماء دول العالم، كما أجرت حكومة المملكة اتصالات بحكومة الولايات المتحدة، لبذل مساعيهم لعدم إغلاق المسجد في وجه المسلمين، وعدم منعهم من أداء فرائضهم وصلواتهم فيه، وإلغاء القيود المفروضة على الدخول للأقصى». وأضاف البيان «وقد كللت الجهود بالنجاح اليوم، وبالشكل الذي يُسهم في إعادة الاستقرار والطمأنينة للمصلين، والحفاظ على كرامتهم وأمنهم».وأشاد ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية محمد بن زايد، أمس، بجهود الملك سلمان التي كللت بالنجاح وأدت إلى إنهاء القيود على الدخول إلى الأقصى.وشدد وزير الثقافة والإعلام السعودي عواد صالح العواد على أنه "بالقدرة والعزيمة الصادقة نجحت مساعي الملك سلمان في رفع الضرر الذي تعرض له الفلسطينيون ووقف الانتهاكات والأعمال العدائية ضدهم بالقدس".وقال: "من غير مزايدات ولا ضجيج أنهى خادم الحرمين الشريفين الأزمة، وأوقف التعدي على الأقصى، إيماناً منه بأهمية الحرم القدسي ونصرة الفلسطينيين، وأهمية السعي لتحقيق السلام العادل والشامل وفقاً لمضامين مبادرة السلام العربية، ورؤية حل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية".وبينما أشاد ملك البحرين حمد بن عيسى بالمساعي الحثيثة والجهود الجليلة لخادم الحرمين الشريفين بأزمة الأقصى، والتي تجسد قيادته المحورية للأمة الإسلامية والمكانة الدينية العالية التي تتمتع بها المملكة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وتعكس الدور الرائد الذي تقوم به في خدمة الإسلام والمسلمين وفي الدفاع عن قضايا الأمة وحماية مقدساتها، ثمّن الأمين العام لمجلس التعاون د. عبداللطيف الزياني جهود الملك سلمان لإيجاد حل لقضية الأقصى والحفاظ على حقوق المسلمين في القدس، وإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي.استسلام إسرائيلي
في المقابل، اتهم أعضاء يمينيون في الحكومة الإسرائيلية رئيس الحكومة بـ «الاستسلام أمام العنف الفلسطيني». وقال وزير التربية في الحكومة، نفتالي بينيت، في تصريح لإذاعة الجيش: «قرار إزالة البوابات الإلكترونية على خلفية التهديدات بالعنف كان خطأ». وأضاف الوزير الذي يرأس حزب «البيت اليهودي»: «بدلا من تعزيز سيادتنا في القدس، فإن الرسالة الآن هي أنه من الممكن إضعاف سيادتنا».ورأى بينيت أن «إسرائيل خرجت من هذه الأزمة أضعف». احتلت إسرائيل عام 1967 الجزء الشرقي من القدس الذي يغلب عليه الطابع العربي، ثم ضمته إليها فيما بعد، وتعتبر إسرائيل القدس بأكملها عاصمة لها، ولكن ذلك غير معترف به دولياً.وكتب أورن حزان من حزب ليكود الحاكم على صفحته على «تويتر» ملمحاً إلى الاتهامات الموجهة إلى نتنياهو بالفساد قائلا: «هناك أشخاص سيتسامحون مع رئيس الحكومة في أمر السيجار والشمبانيا، ولكنهم لن يتسامحوا معه في الاستسلام والأضرار المستقبلية التي لحقت بأمن إسرائيل في قضية بيت المقدس، لن نتسامح معه فيما يتعلق بإذلالنا وبالشماتة العربية بنا».كما رأى وزير الدفاع السابق موشي يعالون أن نتنياهو ارتكب أخطاء جسيمة في التعامل مع الأزمة، وقال إنه كان على نتنياهو أن ينسق أمر إقامة الحواجز الإلكترونية مسبقا مع الأردن والسعودية ومصر. واعتبر يعالون أن إقامة الحواجز أمر ضروري من ناحية المبدأ، وأنها موجودة في مكة والمدينة وغيرها من المساجد.