عوامل القوة في ميدان الانضباط الاقتصادي

نشر في 29-07-2017
آخر تحديث 29-07-2017 | 00:00
يمكن للنظريات الاقتصادية الناجحة أن تستخدم في حالات واسعة من العالم الحقيقي من قبل صناع السياسة والمهندسين والشركات أيضاً، وهي تثبت خطأ كل من يزعم أنه لا يمكن مطلقاً التعويل عليها نظراً لتعاملها مع البشر بدلاً من الآلات.
 بلومبرغ • تركزت انتقادات الخبراء في الوقت الراهن على جوانب الانضباط الاقتصادي وذلك بسبب فشل الاقتصاد على ما يبدو في التنبؤ بحدوث الركود الكبير، وسوف تطرح افتراضات غير واقعية كما سوف ينظر الى رجال الاقتصاد مثل دعاة سياسة الأسواق الحرة التي يمكن تأكيد تقصيرها ونواقصها بصورة قوية وراسخة. وسوف يتم ابلاغنا بأن حركات الاقتصاد تدور في دوائر تقليدية، وسوف يتم تذكير القراء بأن الاتفاقات الاقتصادية التي ستبرم بين البشر بدلاً من الأجهزة سيكون التحقق منها مستحيلاً من الوجهة العلمية.

ومن شأن ذلك أن يفضي إلى تشويه صورة الاقتصاديين ودعوات أكثر جدية الى أفكار غير تقليدية تقلل من قيمة هذه المهنة بشكل أو بآخر.

ويبرع كتاب صحيفة «الغارديان» البريطانية بصورة خاصة في طرح هذا النوع من الأفكار العريضة، وقد حملت آخر مقالة لجون رابلي عنوان «كيف أصبحت الجوانب الاقتصادية ديانة؟» وهي تتحدث عن هذا النص بصورة وثيقة.

وتوجد بكل تأكيد حقيقة ثابتة في هذا التقييم القياسي، وقد طرحت أنا نصيبي من الانتقادات الموجهة الى الاقتصاد خلال السنوات الماضية ولكن المشكلة بالنسبة الى النقاد من أمثال جون رابلي هي أنهم لا يقدمون طريقة حقيقية من أجل التقدم الى الأمام بالنسبة الى الانضباط. وفي أعقاب الركود الكبير قد يكون التفجر في نوبات الغضب أسهم في توعية الاقتصاديين بحقيقة فشلهم الفكري ولكن عند هذه النقطة سوف يكون من الأفضل طرح نبرة أكثر ايجابية.

تركيز الخبراء

وبدلاً من ذلك يتعين على الخبراء التركيز على الجوانب الجيدة في الانضباط الاقتصادي وذلك بسبب حدوث البعض من النتائج الجيدة تماماً في هذا الصدد.

وفي المقام الأول، عمد الاقتصاديون الى تطوير البعض من النظريات التي حققت نجاحاً حقيقياً ومشهوداً، كما أن النظرية العلمية الجيدة تطرح توقعات ثابتة تنطبق على الأوضاع والحالات بقدر يفوق التوقعات التي حفزت وحركت النظريات نفسها، وتعمل الجوانب الاقتصادية بصورة بطيئة على وضع نوعية ملائمة وتعتبر إحداها نظرية المزادات التي تؤشر إلى توجه المشترين المدفوعين باعلانات تتماون لاين – وتعتبر أرباح شركة غوغل مدفوعة بالنظرية الاقتصادية تماماً مثل حصيلة البحث، ويكمن المثل الآخر في نظرية المطابقة التي جعلت من الأسهل تحقيق نتائج مؤكدة، بينما تتمثل الحالة الثالثة في نظرية الاختيار بشكل عشوائي التي تستخدم في كل شيء من التسويق الى تخطيط النقل وحتى الاستعدادات الكارثية.

النظريات الناجحة

ولا تقتصر النظريات الناجحة على الاقتصاد الواسع الكبير ونماذج التجارة على الرغم من كونها بسيطة بطبيعتها وقد أثبتت نجاحاً لافتاً في تدفق التجارة الدولية.

وهذه النظريات وغيرها من الصور الاقتصادية الناجحة يمكن أن تستخدم بثقة تامة في حالات واسعة من العالم الحقيقي من قبل صناع السياسة والمهندسين والشركات أيضاً، وهي تثبت أن كل من يزعم أن النظريات الاقتصادية لا يمكن مطلقاً التعويل عليها لأنها تتعامل مع البشر بدلاً من الآلة هي ببساطة غير صحيحة. وطبعاً سوف يستمر خبراء الاقتصاد في استخدام الكثير من النظريات التي قد لاتنجح بصورة تامة ولكن الكتاب والمحللين يجب أن يدركوا ويقيموا بشكل جيد النجاح الذي يتحقق في أغلب الأحيان.

وثانياً، ركز الاقتصاديون على فحص المعلومات التي تتوافر بدلاً من وضع مزيد من النظريات، وعلى سبيل المثال عمد الاقتصادي دانييل هامرمش الى تصنيف أوراق في صحف اقتصادية رفيعة في سنة 2013، وقد اكتشف أن الانضباط قد تحول بقوة بعيداً عن النظريات منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي.

تغير طبيعة البحوث

وفي الآونة الأخيرة أجرى فريق آخر من الاقتصاديين تحليلاً مماثلاً عبر استخدام تقنية التعلم من الآلات من أجل تصنيف أوراق على شكل تجريبي أو نظري، وقد عكست حصيلة هذا البحث وجهة نظر هامرمش، ويولي خبراء الاقتصاد في هذه الأيام المزيد من الاهتمام الى المعلومات، ويمثل الحد من انتشار النماذج مع تطبيق المزيد من التحليل التجريبي اتجاهاً ايجابياً بقدر أكبر لأن تضييق الأوراق النظرية سوف يكون أكثر سهولة من أجل التحقق من الوقائع.

وثالثاً، أصبحت الجوانب الاقتصادية وبقدر أوسع أكثر مباشرة وملائمة بشكل مباشر بالنسبة الى أمور وضع السياسة على أي حال. وأسلوب البحث الجديد الذي حظي بشعبية واسعة يدعى في أغلب الأحيان اقتصادا شبه تجريبي، وهو يعمل على تقييم نتائج تجارب السياسة على غرار الارتفاع الذي تحقق في الآونة الأخيرة في مسألة زيادة سياتل للحد الأدنى من الأجور أو قبول الدول الأوروبية لقدوم اللاجئين. وبدلاً من الاعتماد على نظرية معقدة أو افتراضات غير واقعية فإن الدراسات شبه التجريبية تعطي أجوبة فورية واضحة حول نتائج أعمال الحكومة. ولن يجعل هذا النظرية الاقتصادية قديمة الطابع ولكنه يزيد بصورة واسعة السرعة التي يتمكن الاقتصاديون من خلالها تقديم معلومات الى موثوقة الى صناع السياسة.

الأوضاع الجديدة

وأخيراً، لم تعد مهنة الاقتصاد في الوقت الراهن تميل إلى عقيدة التجارة الحرة، كما أن الاقتصاديين بصورة عامة يؤيدون الحكومة بشكل إجمالي وبقدر يفوق مواقف العامة في هذا الشأن وفي معظم القضايا والحالات.

وقد تبين من نتائج دراسة اخرى واسعة أجريت في سنة 2006 من قبل أكاديميين اقتصاديين أن مستويات الدعم الأعلى للتدخل الحكومي كانت أكبر وأكثر قوة.

من جهة اخرى، قد يستمر كتاب الأسواق الحرة ومراكز التفكير في استخدام الأفكار القديمة المبسطة من أجل تبرير سياساتهم، ولكن في أوساط أولئك الأكاديميين يسود الاعتدال والتعقيد في آن معاً. وفي غضون ذلك، وعلى الرغم من أن الايديولوجية قد تنحاز الى نتائج خبراء الاقتصاد الى درجة ما فإن الأدلة تظهر أن ذلك الانحياز يتسم بالاعتدال.

ويتعين على الخبراء في عالم الاقتصاد تشجيع ونشر الاتجاهات الايجابية كما أن صورة الاقتصاديين التي تقول إن الانضباط لم يتغير هي مجرد أسطورة في أحسن الأحوال. ويحفل ميدان الاقتصاد بالعديد من المشاكل بكل تأكيد ولا يزال أمامه الكثير من العمل للقيام به، ولكن الأكاديميين يعملون بجد من أجل إضفاء السمة العلمية بقدر أكبر على الاقتصاد وخلق نظريات أكثر موثوقية وقابلية للتطبيق اضافة الى جمع معلومات مفهومة جديدة وتوفير معلومات سريعة ومفيدة لصناع السياسة وتحقيق فهم أفضل وأكثر توازناً حول الاقتصاد. وربما يتعين على الكتاب – وليس على الأكاديميين الاقتصاديين – أن يواكبوا الزمن في هذا المسار.

في أعقاب الركود الكبير أسهم تفجر نوبات الغضب في توعية الاقتصاديين بحقيقة فشلهم الفكري

كتاب الأسواق الحرة ومراكز التفكير يستمرون أحيانا في استخدام الأفكار القديمة المبسطة لتبرير سياساتهم
back to top