بسنا ثيران يا حسين
ليس من الملائم، ولا الطبيعي، تكرار الأمثال الشعبية، أو القصص الخيالية، والأخذ بها دائماً وكأنها مسلمات بديهية واجب القياس عليها، أو الانطلاق منها، في اتخاذ المواقف وتحديد المسارات في العمل السياسي، فبعد تجربة ممتدة لقرابة المئة عام، منذ أول مجلس شبه تشريعي، فإنه يفترض أن تكون لغتنا وأفكارنا السياسية أكثر مهنية وعمقاً والتصاقاً بالواقع وحقائقه ومآلاته، وألا نترك مواقفنا السياسية مبنية على خيال وفكر تصوغه لنا تشبيهات وقصص مكررة، لا تخرج عن نطاق "طبخ طبختيه..."، أو"حط حيلهم بينهم"، أو "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض"، وما إلى ذلك من حكايات ألف ليلة وليلة، وكتاب "الأمثال الشعبية الدارجة" للسعيدان.ثم من قال أساساً إن هذه القصص مكتملة الصورة لدينا؟ أو إن هذي الأمثال صحيحة دائماً؟ لنستنبط منها الحكمة والعبرة ونبني عليها، بالتالي، مواقفنا وبرامجنا السياسية، أو نجعلها حجة نهائية، بعد نقاش ممل أو خطاب طويل، فترمي المثل أو القصة وكأنك ألقيت القنبلة النووية، وأنهيت النزاع بحجتك العظيمة تلك! ففي مثل هذه الأيام، مثلاً، لا حديث يتكرر بين اثنين إلا وكان "الثور الأبيض" ثالثهما، سواء كان عن الأزمة الخليجية، أو إغلاق الأقصى، أو خلية العبدلي، فتختزل كل هذه الاستراتيجيات والمناورات والمؤامرات والمعارك الحربية والاستخباراتية الدائرة "بهوشة" بين ثورين وأسد. ورغم كل ذلك لم يشكك أحد، في خضم كل هذه الحوارات "الثورية"، بحقيقة القصة ومدى علاقتها وقربها من الواقع، فقد يكون الثور الأبيض هو من تحرش بالأسد، مما دعاه لأكله، وأضر بالتالي ببقية رفاقه "الثوريين"! فإن كان ولا بد من الاستشهاد بهذه الأمثال والقصص، وجعلها حجة أو تحويلها لمبادئ راسخة، فواجبنا أن نجد منها على الأقل ما يقارب الواقع، لا أن نختزل الواقع ونكيفه بما يناسب المثل، حتى نثبت حجتنا "الثورية" تلك، ففي بعض الحالات قد يكون "الثور الأبيض" قد أخطأ بالفعل ويستحق الأكل، ولا داعي من ثم للقياس عليه، وأن يعاير بعضنا بعضاً بمصيره الذي قد يكون استحقه فعلاً.
الثور الأبيض عاد للكويت بقوة، بعد أن صدر حكم خلية العبدلي، فبدأ بعض السياسيين والناشطين بتذكير الشيعة عموماً به، مع التركيز على جماعة الجمعية الثقافية بالقصة الشهيرة، بقصد معايرتهم والضغط عليهم بسبب تقاربهم مع السلطة خلال السنوات الماضية، رغم أن الصورة معكوسة تماماً في الكويت، فالأسد متعاون جداً مع الإسلام السياسي بمذهبيه لأبعد مدى، لدرجة أن الثيران هي من تريد ابتلاعه، فجميع الجمعيات والتيارات الدينية كانت، في مراحل مختلفة، من حلفاء الأسد، الذي لم يأكل إلا نادي الاستقلال "المدني" برضاهم ومباركتهم، قبل أن تصلهم "هبة" الدفاع عن المبادئ والكرامات، وبالتالي لا يحق لأي من الجماعات والجمعيات الدينية الشيعية أو السنية أن يعاير بعضها بعضاً بهذه القصة. ورفض البعض منهم أكل الثور الأسود، اليوم، إن كانت هناك نية بذلك أصلاً، ليس من طيب أخلاقهم ومبادئهم، بل هو "غصبن عنهم"، لأنهم تركوا الثور الأبيض مرتاحاً في السابق، يرتع بتجاوزاته ومخالفاته وأخطائه التي يمارسونها جميعاً. ومن جهة أخرى، فقد أدى اختلاط القبعات على البعض الآخر من حسني النية إلى صعوبة الرؤية والتقييم، فالجمعية الثقافية الشيعية لم تقم بشيء لم تفعله جمعية الإصلاح السنية، مثلاً، التي دافع البعض عنها، باستماتة لا تستحقها، فإذا كانت هذه الجمعيات، بمذهبيها، خيرية كما تدعي، فمخالفاتها تملأ ملفات وزارة الشؤون، وإن كانت تعمل بالسياسة، فهذه مخالفة صريحة وصارخة لقانون إنشائها، ورغم ذلك يدافع عن ضرورة بقائها دعاة المطالبة بدولة القانون! أما إن كانت مجرد مراكز لتجنيد الصغار وتدريب الخلايا، فإنها جميعاً، للأمانة، لم تقصر من هذه الناحية. الجمعيات والجماعات الدينية مرآةٌ بعضهم لبعض، ومن ثم لا يحق لأحد، لا أخلاقياً ولا سياسياً، محاسبة الجمعية الثقافية على ما لم يحاسب عليه غيرها، وبدون جمايل ومبدئية مدعاة... غلطتكم إذن لم تكن برضاكم عن أكل الثور الأبيض، بل لتسامحكم المفرط معه ودفاعكم "الثوري" المثالي عنه، مما يحتم عليكم القبول "بثوارة" باقي الثيران اليوم.الخلاصة: حلوا مشاكلكم، الثور ماله شغل.