قال تقرير «الشال الأسبوعي إنه تثار قضايا مالية واقتصادية بين الحين والآخر، ونساهم في رأي فيها بقدر ما نعرفه من معلومات حولها، وقد لا تكون كافية، وحتى إن كانت كافية، قد نخطئ الاجتهاد، ولا بأس في ذلك، غرضنا دائماً هو تشجيع التفاعل والارتقاء بمستوى الشفافية وتكثيف الجدل العلني حول تلك القضايا، ثم محاولة التأثير في ذلك الجدل ودفعه في اتجاه أهم الأولويات، بدلاً من الغوص في تفاصيل نعتقد أنها ليست على نفس القدر من الأهمية».

ووفق الشال، فإن واحدة من تلك القضايا الساخنة في الوقت الحاضر، هي سحوبات معلنة من الاحتياطي العام قدرت بنحو 28.575 مليار دينار، أثارها نواب في مجلس الأمة وجريدة «القبس» و«الجمعية الاقتصادية الكويتية» وغيرهم كثيرون، وكله جهد مستحق ويشكرون عليه، ونحن نعتقد -اجتهاداً- بأن القضية الأهم ليست في الرقم وتفسيره، فهو ينسجم مع القوانين وقواعد المحاسبة الحاكمة للمالية العامة في الكويت، وإن ظلت ضعيفة، بينما تكمن أهميته في إمكانية إحتوائه لو التزمت الجهة المسؤولة بدقة العرض منذ البداية، ويبقى الأهم، توجيه النقاش حول اسقاطاته على المستقبل.

Ad

وفي التفاصيل، فإن تصريح الناطق الرسمي باسم وزارة المالية، ورد الوزارة تطور محمود أيضاً، ليس كل المبلغ سحوبات لسداد عجز الموازنة العامة، فعجز الموازنة كان لسنتين ماليتين فقط هما 2015/2016 و2016/2017 من أصل السنوات الثلاث، وتمت تغطيته بسحب نحو 10.808 مليارات دينار على دفعتين من الاحتياطي العام، أي إن عجز الموازنتين نحو 38 في المئة من المبلغ المذكور فقط.

وإذا اعتبرنا العجز الاكتواري في نظام «المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية» عجزاً مالياً، يضاف إلى العجز المذكور نحو 1.413 مليار دينار حولت من الاحتياطي العام لتغطيته، لتصبح المبالغ المسحوبة لتغطية العجزين -المالي والاكتواري- نحو 12.221 مليار دينار، أو نحو 43 في المئة من السحوبات المذكورة من الاحتياطي العام.

معظم المتبقي، أو نحو 15.548 مليار دينار كان -وفقاً لتصريح الوزارة- قيداً محاسبياً يفرضه القانون بتحويل فائض الإيرادات العامة إلى احتياطي الأجيال القادمة، وهو مجرد نقل لأموال من صندوق إلى آخر، ولا علاقة له بالعجز.

وملاحظاتنا على الأرقام الواردة في تصريح الناطق الرسمي لوزارة المالية، هي أنها غير دقيقة، فلو جمعنا كل الأرقام الواردة في البيان، فسوف نصل إلى رقم إجمالي قدره 27.769 مليار دينار، وهو أقل بنحو 0.806 مليار دينار من رقم الـ 28.575 ملياراً موضوع الجدل، وهو أمر يحتاج إلى تفسير وتفصيل، ويوم الخميس الفائت نشرت، جريدة «القبس» ثلاثة أرقام مكملة، الأول تعديل بإضافة 195 مليون دينار للمحول لاحتياطي الأجيال القادمة ليصبح 15.743 ملياراً بدلاً من 15.548 ملياراً، كما ورد في تصريح الناطق الرسمي للوزارة، والثاني مبلغ بحدود 253 مليوناً سداد خسائر «الخطوط الجوية الكويتية»، والثالث 358 مليوناً محول إلى وزارة الدفاع، وكلها يفترض أن تكون من الأساس جزءاً من تصريح الناطق الرسمي.

الملاحظة الثانية، هي أن مجموع المحول إلى إحتياطي الأجيال القادمة، عن السنوات المالية الثلاث 2014/2015، 2015/2016 و2016/2017، كان 15.548 مليار دينار وفقاً لتصريح وزارة المالية، وأصبح لاحقاً 15.743 ملياراً، والرقم أعلى بكثير مما يفترض القانون تحويله. وينص القانون على تحويل 25 في المئة من جملة الإيرادات العامة إلى إحتياطي الأجيال القادمة للسنة المالية 2014/2015، أو نحو 6.2 مليارات دينار وفقاً لأرقام إجمالي الإيرادات العامة في الحساب الختامي، ثم عدلت نسبة الاقتطاع للسنتين الماليتين التاليتين لتصبح 10 في المئة، أو نحو 1.4 مليار دينار للسنة المالية 2015/2016، ونحو 1.4 مليار أيضاً للسنة المالية 2016/2017.

ذلك يعني، أن المحول إلى إحتياطي الأجيال القادمة للسنوات المالية الثلاث يفترض أن يكون بحدود 9 مليارات دينار، بينما المحول وفقاً لتصريح لآخر رقم منشور هو 15.743 ملياراً، وبفارق موجب بحدود 6.743 مليارات، والمرحل كان بالزيادة، وهو أمر طيب، لكنه يحتاج إلى تفسير، لأنه لا يتسق ونص القانون، ولا نعرف مصدره ما لم يكن ضمنه دخل الاستثمار، الذي لا يرحل بالأصل إلى الاحتياطي العام. والملاحظة الثالثة هي، أن السحوبات من الاحتياطي العام في كل سنة مالية، تختلف في قيمها بشكل جوهري، بين ما ورد في تصريح مبكر لوزير المالية، وبين ما ورد لاحقاً في تصريح الوكيل المساعد والناطق الرسمي لوزارة المالية، فأيهما الصحيح؟، ونميل إلى اعتماد التصريح اللاحق.

لكن، يبقى الأهم من كل ما تقدم، هو أن عجز الموازنة العامة أصبح حقيقياً ومتزايداً، فقد كان 5.071 مليارات دينار للسنة المالية 2015/2016، وأصبح 5.737 مليارات للسنة المالية 2016/2017 (5.9 مليارات من الحساب الختامي للسنة المالية 2016/2017)، وسوف يراوح ما بين 6-8 مليارات للسنة المالية 2017/2018.

وإذا أضفنا العجز الإكتواري، خصوصاً بعد بدء العبث بنظام التأمينات الاجتماعية بالقوانين والقرارات الشعبوية، ذلك يعني أن عجز ثلاث سنوات مالية فقط، سوف يراوح ما بين 18-20 مليار دينار، ويتعاظم بمرور الزمن.

والجدل والخلاف، يفترض أن ينصبا على ضرورة تبني سياسات استباقية لاجتناب حريق قادم ومدمر للمالية العامة، حينها لن تجدي أي عمليات إصلاح مالي واقتصادي، ومعهما لن يتحقق استقرار اجتماعي وسياسي.