حصلت على جائزة الدولة التقديرية. ماذا تمثِّل لك، وما الفرق بينها وبين ما سبقها من جوائز؟تمثِّل جائزة الدولة التقديرية لي الكثير، إذ نلت من خلالها تقدير الدولة والمجلس الأعلى للثقافة والذي يضمّ نخبة كبيرة من المثقفين في مجالات الأدب والفن والعلوم الاجتماعية. في واقع الأمر، الجوائز كافة التي تشرفت بنيلها مهمة، ولكن التقديرية جائزة مصرية لها إحساس مختلف.
غربة وغرابة
يحتلّ كتابك «الفن والغرابة» مكانة مهمة وسط إصداراتك. ما هو تعريف الغرابة، وهل يمكن أن تنتابنا من الأعمال الفنية؟الغرابة شعور خاص بالتردّد والالتباس والدهشة، يتصاعد من حالة الشك البسيطة إلى الرهبة أو الخوف. الغرابة نقيض الألفة والأمن، موجودة في الحياة حولنا، هي حالة تنتابنا معرفياً وانفعالياً وإنسانياً، كذلك وطنياً حينما نرى مظاهرها في الحياة مثل سكن الأحياء إلى جوار الأموات ومعهم في مقابر القاهرة، ووجود المناطق العشوائية على أطراف مدن صناعية وحضارية تبدو متقدمة ظاهرياً، وفوضى الأزياء والملابس في شوارع مصر... إلخ، الغرابة أيضاً هي ذلك الانفعال الذي ينتابنا عندما نواجه بعض الأعمال الفنية الغريبة، فهي هنا إحساس جمالي يرتبط بالدهشة والارتياب والشك والفزع الشديد. هذه غرابة جمالية فنية في مقابل الغرابة الحياتية. الخوف أمر أساسي في الإحساس بالغرابة، لأنه نقيض الأمن والطمأنينة، ووجود أمر غامض وغير معروف لا نعرف كيف ومتى سيظهر يولِّد الإحساس بالخوف لدى البعض.توليت حقيبة وزارة الثقافة في فترة صعبة من تاريخ مصر بعد ثورة 25 يناير. ماذا أضافت إليك؟مكثت في وزارة الثقافة خمسة أشهر فقط في ظروف صعبة بوزارة الدكتور كمال الجنزوري، وكان يطلُق عليها حكومة الإنقاذ القومي. كانت فترة مليئة بالاضطرابات والاعتصامات والمطالب الفئوية، ولكني على الأقل قدّمت ما استطعت فعله، كإعادة معرض الكتاب، وافتتاح عدد من قصور الثقافة، ومؤتمر الثورة والثقافة، والمهرجان الدولي لفنون الطفل. كانت هذه التجربة مهمة بالنسبة إليّ. من خلالها تعرفت إلى الناس أكثر ووضع البلد، عرفت أن الحياة ليست وردية كما كنت أعتقد، وأن البشر ليسوا ملائكة، وأن للبعض مآربه الخاصة. كانت فترة تولي حقيبة وزارة الثقافة قصيرة، لم تمكّنني من تقديم مشروعات كثيرة كنت أطمح إليها. كنت أتمنى أن الاستمرار في الوزارة فترة أطول، فلا يمكن أن يقدم أحد إنجازاً خلال خمسة أشهر، بل هذه المدة ربما تكفي للتعرف إلى الأجواء والخطط فحسب.روح الفنان
يصفك البعض بكونك مجاملاً في كتاباتك. ما تعليقك؟لا أكتب عن أحد إلا إذا أحببت عمله. لا أجامل، ولكني ربما أتحمّس لكاتب أو عمل أدبي معين. عندما أحبّ عملاً لا أكتب عنه فحسب، بل لا بد من أن أستمتع بما أكتبه، وإلا لن أنشره، لأن الكتابة هواية وليست حرفة، فأنا في الأساس أستاذ في علم النفس. هنا أتذكر مقالة كتبها عني الكاتب فتحي عبد السميع نشرت في جريدة «القاهرة» بعنوان «عقل العالِم وروح الفنان»، وقال خلالها إنني لا أكتب عن العمل فحسب، بل عن نفسي.ما هي رؤيتك للمشهد الثقافي المصري الراهن؟المشهد الثقافي مرتبك، ويصعب الحديث عن تفاصيله، بمعنى أننا نعرف ما يظهر على السطح فحسب، فيما خلفه تيارات إبداعية لا نعرف عنها أي أمر. ثمة كتُاب يكتبون ولكن لا ينشرون، وتشكيليون يرسمون ولا يعرضون، وغيرهم. أما إذا تحدثنا عن الجهة الظاهرة، فنجد جوانب مزدهرة مثل الرواية، وأخرى متراجعة مثل المسرح أو السينما، إلا في حالات استثنائية، ولها طبيعة شعبية جماهيرية وليست قيمية. كذلك لا يأخذ الإبداع العلمي، أو ما يُسمى بالصناعات الثقافية، الاهتمام اللازم. مصر بتاريخها وطاقاتها وإمكاناتها لا نجد فيها مؤسسة للصناعات الثقافية سواء رسمية أو غير رسمية، فيما يشكل هذا المجال جزءاً من الدخل العام للصين وبريطانيا وأميركا وغيرها من الدول. مثلاً، أنشأت أندونيسيا وزارة للصناعات الثقافية، ودمجتها مع وزارة السياحة، في حين أننا لا نجد في مصر خريطة ثقافية. من ثم، لا أستطيع أن أحصي الأماكن والمراكز الثقافية في أية محافظة مصرية، لدينا قاعات عرض تشكيلية كثيرة نعم... ولكن هل لدينا بيان فيها؟! لكني أستطيع القول إن في الصين 30 ألف قاعة عرض و250 ألف آلة كمان تصُنع سنوياً، لأن هذه الدولة تملك البيانات في هذا الشأن. من هنا، عندما أضع خططاً وسياسات ثقافية لا بد من أن تكون لديَّ بيانات واضحة عن الدولة.رؤية تشكيلية
ما سبب ارتباطك بالفن التشكيلي وصداقتك لكثير من أبناء هذا المجال؟حصلت على درجة دكتوراه في فن التصوير تحت إشراف الفنان حامد عويس، فتعرفت إلى التشكيليين حامد ندا، وعدلي رزق، وعز الدين نجيب، وعادل السيوي، ومحمود بقشيش، ومحمد عبلة وآخرين. أحب التشكيليين ومعارضهم، وأستفيد منهم. والإبداع والفن التشكيلي وجهان لعملة واحدة. عموماً، يتجلى الإبداع في أنحاء شتى، وأنا أؤمن بوحدة الفنون.الفن التشكيلي والناس
ما زال الفن التشكيلي بمعزل عن الجمهور العام مقتصراً على النخبة. كيف نقضي على القطيعة بينه وبين الناس العاديين؟ يقول شاكر عبد الحميد في هذا المجال: «نحتاج إلى أن يؤمن الناس بالفن منذ مرحلة التعليم الابتدائية: تُعرض لوحات للتلميذ، ويشرح له الأستاذ ماهيتها بشكل منتظم وعلمي، مع وضع برنامج للتذوّق في المدارس، فضلاً عن جدول لزيارة المتاحف والمعارض. كذلك يجب أن يدخل الفن عموماً والتشكيلي خصوصاً ضمن خطة للصناعات الثقافية المصرية. ثمة إدارة للمستنسخات في قطاع الفنون التشكيلية، نريد أن نعرف بكم تساهم في ميزانية الوزارة والدولة؟! أتساءل عن هذه الإدارة، لأني أعرف أن في الصين قرية تسمى «ديفن» فيها 8000 فنان معظمهم من ذوي الاحتياجات الخاصة ينسخون لوحات الفنانين العالميين، ويبيعونها للسائحين أو للصينيين أنفسهم، بناءً عليه دخلت المسألة في الدخل القومي. ويجب أن نضع خطة قومية لاكتشاف الموهوبين في المجالات كافة، فضلاً عن ضرورة إطلاق برامج تلفزيونية عن الفنون التشكيلية تتحدث عن طفولة النابغين أمثال بيكاسو وفان غوغ وماتيس وغيرهم. إذا، صحيح أن المسائل تبدو كأنها للنخبة، ولكننا نستطيع أن نكسب الجمهور بطرائق عدة».