لنودع تغيير النظام في سورية
أمر ترامب وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ببدء إنهاء برنامجها للتدريب والتجهيز، الذي يدعم ما يُدعى الثوار "المعتدلين" في حربهم ضد نظام بشار الأسد.مثّل هذا البرنامج رأس حربة لتغيير النظام الأكبر، الذي شكّل سياسة الولايات المتحدة الرسمية منذ سبتمبر 2013، حين أعلن أوباما أن "على الأسد الرحيل" في أعقاب الهجوم الكيماوي على الغوطة بضواحي دمشق، علماً أن هذا الاعتداء قتل مئات المدنيين، لكن الرئيس ترامب تراجع من خلال هذه الخطوة عن هذه السياسة المتبعة، التي تقضي باضطلاع الولايات المتحدة بدور ناشط في إرغام الأسد على الرحيل، قابلاً ترك مصير الأسد بين أيدي الشعب السوري وحلفائه. ولا شك أن قرار ترامب إنهاء دعم الثوار السوريين "المعتدلين"، من دون التعبير عن سياسة ترفض تغيير النظام في سورية، يشكّل الإشارة الأكثر وضوحاً حتى اليوم إلى أن الولايات المتحدة بدّلت مسارها بشأن اعتبار فرض تبديل النظام في دمشق شرطاً مسبقاً لأي تسوية سياسية للأزمة السورية.تكمن المشكلة الأخرى التي تواجهها الولايات المتحدة في التباعد المتنامي بين أهدافها من دعم الثوار السوريين "المعتدلين" المزعومين، هذه الأهداف التي تتشارك فيها مع الأردن، ومصر، والإمارات والسعودية، واستعداد تركيا لتدريب وتجهيز مقاتلين مناهضين للأسد أكثر تطرفاً، بمن فيهم جبة النصرة (القاعدة) و"داعش".
يشكّل قرار ترامب إنهاء برنامج "خشب الجميز" جزءاً لا يتجزأ من هدف سياسته العام الرامي إلى استعادة السيطرة على أهداف الولايات المتحدة في المنطقة. تُعتبر سياسة تغيير النظام في سورية، التي اتبعتها واشنطن والتي مثّل برنامج وكالة الاستخبارات المركزية للتدريب والتجهيز جزءاً كبيراً منها، مسؤولة بطرق عدة عن الأزمة الراهنة في سورية خصوصاً، والمنطقة بأسرها عموماً. ويعود هذا الإخفاق في المقام الأول إلى مفهوم أن في سورية قوة علمانية معتدلة قادرة ومستعدة لإسقاط نظام الأسد، وقد أدى هذا المفهوم إلى قرار إغراق المنطقة بأسلحة وذخائر زودتها الولايات المتحدة، إلا أن هذا العتاد لم يحقق أي غاية غير نشر التطرف تحت راية القاعدة وداعش. تشير الوقائع إلى أنه ما من قوة معتدلة علمانية بحق تعمل في سورية، بل تخضع كل الجهود المناهضة للأسد لسيطرة متطرفين إسلاميين. نتيجة لذلك، إذا أُطيح بالأسد، فسيحل على الأرجح محل هذا الديكتاتور العلماني ما هو أسوأ بكثير. وعلى غرار سياسة بوش في العراق، لم تحقق سياسة أوباما لتغيير النظام في سورية أي إنجاز غير إطلاق قوى عجزت الولايات المتحدة عن السيطرة عليها، ما كلّف دافعي الضرائب الأميركيين مئات مليارات الدولارات، والكثير من أرواح الجنود الأميركيين، الذين قُتلوا خلال تطبيق هذه السياسة.عند تأمله في إطاره، يُعد قرار ترامب إنهاء برنامج "خشب الجميز"، ومعه سياسة عهد أوباما التي قضت بضرورة "رحيل الأسد"، التعبير الأكثر وضوحاً حتى اليوم عن رغبته في كبح لجام سياسات أخفقت في الماضي. يحرر قرار الرئيس هذا الولايات المتحدة، التي صار بإمكانها اليوم المضي قدماً في حربها ضد "داعش" من دون أن تكبّلها سياسات لا تروّج لمصالحها بل تمكّن أعداءها. إذاً، بالعمل مع روسيا والتركيز على إنزال الهزيمة بداعش، يضع الرئيس ترامب الولايات المتحدة في موقع يتيح لها لعب دور مهم في صوغ حل سياسي لمشكلة سورية، حل سيحمل السلام للناس في سورية والمنطقة. ولاشك في أن تحقيق حل مماثل لن يكون سهلاً، ولن تكون نتائجه مضمونة، لكن برنامج "خشب الجميز" لم يشكّل سوى عقبة في هذا المسار، وقد تصرف ترامب بحكمة عندما أنهاه.* سكوت ريتر * (ذي أميركان كونسرفاتيف)