المواجهة القادمة في مجلس الأمة ستكون، والله أعلم، مالية، إذ إن وزير المالية يسعى لإصلاح الاختلالات المالية التي من ضمنها إعادة تسعير بعض الخدمات التي تقدمها الدولة إلى المواطنين والمقيمين، مثل أسعار الكهرباء والماء والصحة وأملاك الدولة وفرض ضريبة المشتريات، وعلى أرباح الشركات، بالإضافة إلى البدء في خصخصة بعض المؤسسات الحكومية، مما سيؤدي أيضاً إلى زيادة في أسعار الخدمات التي تقدمها هذه المؤسسات، وفي المقابل يرفض مجلس الأمة أي زيادة في سعر أي خدمة، وبالعكس سيتم التصويت في دور الانعقاد المقبل على اقتراحات بقوانين مقدمة تعيد أسعار البنزين إلى ما كانت عليه في السابق، وتقيد حرية الحكومة في زيادته مستقبلاً، كما سيصوت المجلس على إلغاء الأسعار الجديدة للكهرباء والماء على القطاعات التجارية والاستثمارية والمزارع والجواخير. ويحتج أعضاء المجلس بأن هذه الزيادات، وإن كانت على التجار، فإنهم سيقومون بتعويض ما سيدفعونه من المواطن والمستهلك، وحتى الأرباح السنوية للشركات ينتظرها كثير من المواطنين لسد وشراء حاجياتهم الضرورية، وجبايتها ستضعف القوة الشرائية في البلاد، وكذلك فإن ضريبة المشتريات لا تفرق بين الغني والفقير وسيدفعها الجميع عند شراء أي سلعة.
بينما تحتج الحكومة بأنها إجراءات ضرورية للحفاظ على القوة الائتمانية للدينار، وكذلك للحد من الهدر والإسراف والزيادة المطردة في بند المصروفات في الميزانية، وكذلك للحد من الشره الاستهلاكي. وبدون الدخول في التفصيل والترجيح بين الرأيين، أرى أن الشعب الكويتي لن يقبل المساهمة في خطة وزير المالية مهما كانت مبرراته مهمة وقوية، إلا إذا رأى الحكومة تحصّل من الكبار أولاً.وهذا كان فعل النبي، صلى الله عليه وسلم، الذي قال: "صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم"، وهذا ما تفعله الدول المتقدمة أيضاً التي تشكل الضرائب على التجار جل ميزاتياتها، هذا بالإضافة إلى الأثر الاجتماعي الذي يضفيه هذا الإجراء على المجتمع، وهو اقتناع الجميع بمساهمة الكبار، وأنهم القدوة قبل الصغار، بل سيستفيد الصغار من تحسن الخدمات وشمولهم بالمظلات الاجتماعية التي ستوفرها مساهمة الكبار، وهذا منصوص عليه في الدستور الكويتي أصلاً.قبل أسابيع نشرت "فوربس" تقريراً عن "المليارديرات" في العالم، وبين التقرير أن نسبتهم في الكويت من أعلى النسب في العالم، والأربعة الكبار منهم تبلغ ثروة الواحد منهم حوالي المليار ونصف المليار جنوها من خير الكويت. لذلك أجد صعوبة، بل استحالة أن ينجح وزير المالية في إصلاح الاختلالات الهيكلية دون التطرق إلى الزكاة الشرعية أو إلى ضريبة الدخل حسب مفهوم الدول الأخرى، وأنا على علم بأن القانون مدروس وجاهز للتقديم إلى مجلس الأمة منذ سنوات، وعلى الحكومة أن تبادر إلى تقديمه فوراً بصياغة شرعية ووطنية حتى يتم لوزير المالية الخروج من عنق الزجاجة.
مقالات
رياح وأوتاد: خروج وزير المالية من عنق الزجاجة
31-07-2017