بدأت الحكاية عندما قام فلسطينيان يحملان الجنسية الإسرائيلية بقتل شرطيين إسرائيليين في محيط المسجد الأقصى. وعلى أثر ذلك وضعت السلطات قيوداً وإجراءات أمنية مشددة على بوابات ومداخل الحرم. فكان أن جاءت ردة الفعل الجماهيرية غير متوقعة، وبدأت بالتصاعد، وظلت إسرائيل على تشددها رافضة تخفيف الإجراءات عاكسة الموقف التقليدي المتشدد لسلطات الكيان الصهيوني. إلا أنها وعلى غير العادة تراجعت وخففت تلك الإجراءات. لم يكن ذلك السلوك معتاداً من قبل الكيان الصهيوني، فإجراءات القتل واستهداف الأطفال مستمرة، وكان آخرها مقتل طفل يوم الجمعة في غزة قرب جباليا، حتى كادت عملية القتل والاستهداف تصبح شأناً يومياً. يحدث ذلك بعيداً عن الإثارة الإعلامية. أما حدث الأقصى فكان أمراً مغايراً، من المرات النادرة التي تتراجع فيها إسرائيل تحت ضغوط الجماهير الفلسطينية في أمور تتعلق بالجوانب الأمنية.

جاء حدث الأقصى دون حراك سياسي موجه، بعيداً عن القوى السياسية التقليدية، كانت حركة جماهيرية فاعلة، وآخذة في التوسع، وكان المتوقع لها أن تستمر وتتعاظم. وأعطى الأمر ثقة متزايدة للفلسطينيين المقدسيين بالذات، الذين يعانون الأمرين من تمييز فاضح، واحتلال قسري لمدينتهم منذ أكثر من خمسين عاماً، واستمرار لعمليات التضييق المعيشي، ربما كان سيكون المدخل للانتفاضة الثالثة. الملامح كانت تتشابه مع بواكير الربيع العربي، حراك شعبي مطلبي قد يدمر في طريقه الأوضاع القائمة، كما حدث في عدد من الدول العربية منذ 2011. المغرب مثلاً كان يمر باضطرابات حادة في الشمال بمنطقة أبوحسيمة، والتي بدأت بسبب وفاة بائع سمك، أمر مشابه لما حدث بتونس في 2011. وكعادة العاهل المغربي، الذي يتحرك مبكراً، أصدر قبل يومين عفواً عن عدد كبير من معتقلي مظاهرات أبوحسيمة، تجنباً لتداعيات قد لا تحمد عقباها.

Ad

أحداث الأقصى كان بإمكانها أن تتحول إلى شرارة جديدة، لن تتوقف عند فلسطين، والقدس، بل ستفتح أبواباً ظن البعض أنها قد أوصدت، ولذا تحرك المتحركون الإقليميون والدوليون من كل المشارب للضغط على نتنياهو، إحساساً منهم بأن شرارة الأقصى قد تتحول إلى شيء أوسع قد يكدر صفو الأوضاع القائمة.

التحركات العربية والدولية لإيقاف تصاعد "هبة الأقصى" كانت تتخوف من تحولها إلى شيء آخر، ولكن من يضمن خبو الشرارة، في ظل الظلم والاحتلال والتهميش والتمييز؟