أصيلة... مدينة مضيئة
![طالب الرفاعي](/theme_aljarida/images/authorDefault.png)
"أصيلة" وهي تحتفل بموسمها الـ39 إنما تؤكد أن الحضور الإبداعي والثقافي والفني وحده هو القادر على جلب انتباه الآخر، وهو القادر على تقديم الوجه الأكثر إشراقا وسلاما وبقاء في ذاكرة الإنسان. محمد بن عيسى ومعه مجموعة عمل مخلصة ومتفانية في عملها، استطاع أن يضع مدينة "أصيلة" ليس على خريطة الساحة الفكرية والثقافية والفنية العربية فحسب، ولكنه استطاع عبر جهد جماعي منظم ومدروس، أن يجعل منها مزاراً للبشر، كل البشر. فحين يمشي الزائر في شوارع المدينة، تتناهى إلى مسامعه لغات ولهجات كثيرة، بما يوحي أن المدينة استقطبت الكثير الكثير من عشّاق التاريخ والثقافة والفنون، وجمعتهم حول نكهة الأصالة الأجمل."أصيلة"؛ حين كنت أمر بجانب حديقة الكاتب العربي الطيب صالح، في طريقي إلى قصر الثقافة، كان يستوقفني أثر بعد أثر. البحر، وعمارة المدينة المغربية التقليدية، وأصوات الباعة، وانشغال الناس بخاصهم، وأحجار الطريق.أتنقل من محل إلى آخر، وسط أزقتها الضيقة، يحضر بي شيء من ذاكرة غافية، شيء من لحظة تاريخ عربية ماضية، عبرت بي ربما قبل سنة، أو عقد، أو ربما عقود كثيرة، حينما قرأت في كتب التاريخ عن مدن عربية عاشت ازدهار وسقوط عظمة الأندلس الإسبانية."أصيلة" وبتخطيط محكم ومنظم وعصري من "مؤسسة منتدى أصيلة"، استطاعت أن تؤمّن لنفسها مكاناً ومكانة عاليتين بين مدن كثيرة مشعة ومنتشرة في بقاع المعمورة. مدن تستيقظ على الحياة، وعلى الخير والفكر والإبداع، بعيداً عن العنصرية والعنف والحرب والاقتتال.. ما أحوجنا إلى "أصيلات" كثيرة، مدن تشع بالسلام والخير والفكر والفن. فنحن الشعوب العربية، كُتب علينا أن نحيا بين الوجع والأمل، وليس من ثقل صغير يرجّح كفة الأمل إلا الفكر المستنير والإبداع والفن والأدب. فلقد أثبت التاريخ العربي المعاصر سقوط كل الشعارات وكل الأقنعة، ولم يبق إلا الإبداع الإنساني مائدة عامرة تجمع من حولها المفكرون والمبدعون والمثقفون العرب، وهذا وحده هو عزاؤهم الأكبر.