خارج السرب: بيان بوربع
بيان المئة شخصية الأخير كان طبيباً سيئاً عالج الأعراض ببنادول الإنشاء والتعبير، وترك المرض يسرح ويمرح بدون دواء، والدواء المطلوب كان تبيان موقف هؤلاء المئة من خلية «حزب الله» المهددة لأمن الوطن، وبلا مواربة وبدون لف ودوران، كنا نأمل كلاماً مباشراً تحكمه المسؤولية الدستورية وميزان الوطنية ليكون هذا رداً على كل مشكك أو مستغرب.
تجربتنا مع الاحتكار تحمل ذكريات "مش ولابد"، وهذا الأمر يشمل احتكار السلع في المحلات التجارية كما يشمل أيضاً احتكار مكونات المجتمع وأفكاره داخل مولات السياسة، والنوع الثاني تحديداً هو موضوع هذا المقال الماثل أمامكم.نحن مجتمع اجتمعت فيه كل الطوائف والأعراق، فسيفساء وطنية جمع شتات أجزائها إطار التاريخ والدستور، تاريخنا ناصع لا غبار عليه مهما حمي وطيس معاركنا مع الآخر، والأعراق بشموسها وأقمارها، سواء أشرّقت أو غربت أو كانت بدراً أم هلالاً، كانت تشكل ليل يوم الكويت ونهارها، أما الدستور أو عقدنا الاجتماعي فرسم لنا خريطة كنز مستقبل أجيالنا وبدقة، لا نحتاج بعدها لتسلق جبال الولاء الخارجي، والتي تساقط الكثير وتهشم حلمه فوق سفوحها، ولا نحتاج إلى قطع صحاري الأوهام بحثاً عن سراب وطن يسكن ربيعه فعلاً داخل قلوبنا، بدون التاريخ والدستور سينفرط عقدنا الوطني ونرجع، كما هو حال غيرنا، من الصومال إلى العراق، مروراً باليمن وغيره، مجرد كلمات متقاطعة مهما كثرت أسئلتها فحل مربعها الأخير سيتكون من أربع حروف لا سواها... ألا وهي... هلاك.
الصورة الجميلة التي رسمتها فرشاة الفقرة السابقة يحاول اليوم هواة احتكار مكونات المجتمع تخريب ملامحها الرائعة، فهم جعلوا من أنفسهم الوكيل الحصري لمنتجات الطوائف، بالإضافة طبعاً إلى قطع "غيرتها" الوطنية، هذا الأمر يشمل جميع المحتكرين، سنتهم وشيعتهم وبدوهم وحضرهم، ولا يستثني أحداً منهم. بيان الـ100 شخصية الأخير حول تداعيات قضية خلية "حزب الله" هو مثال واضح على كل ما سبق، فالبيان يتحدث باسم مكون وطني يعد بعشرات الآلاف، ولا أدري من أعطاهم هذا الحق أو خولهم ذلك، فالطائفة لم تكن يوماً محل تشكيك أو تخوين إلا في أوهام البعض طبعاً ممن يظن أن كل صيحة على جرائم الخلية وحلفائها هي صيحة عليهم! وإن كانت حرية الرأي هي مستندهم فكان من الأوجب أن يتحدثوا في ما يخصهم كأفراد أو جمعيات، لا باسم الطائفة جمعاء! البيان ذاته كان طبيباً سيئاً عالج الأعراض ببنادول الإنشاء والتعبير، وترك المرض يسرح ويمرح بدون دواء، والدواء المطلوب كان تبيان موقف هؤلاء المئة من خلية "حزب الله" المهددة لأمن الوطن، وبلا مواربة وبدون لف ودوران، كنا نأمل كلاماً مباشراً تحكمه المسؤولية الدستورية وميزان الوطنية ليكون هذا رداً على كل مشكك أو مستغرب، ولكن مع الأسف الشديد لم نرَ ذكراً للخلية إلا في ربع سطر لا أكثر مر على عجالة، بينما أتت باقي السطور خالية من "دسم" مواقف كل الشعب الكويتي وبكل فئاته تجاه أي خطر يهدد الوطن، باختصار كان بياناً يستحق وبكل جدارة لقب "بيان بوربع" كما هي الحال دوماً مع كل بيانات المحتكرين والمحتكرات من جميع الفئات والطوائف، والذين تنطبق عليهم قصة ابن عمر حين سأله الكوفي بعد موقعة كربلاء ومأساة استشهاد آل البيت، رضوان الله وسلامه عليهم، عن دم البعوض وهل ينقض الوضوء؟ فرد ابن عمر مستغرباً: تسألني عن دم بعوضة وقد قتلتم الحسين بالأمس؟!