استطاعت الساعات الأولى في الثاني من أغسطس عام 1990 أن تضع القيادة أمام القرار الصعب، وبالقيادة أعني المغفور لهما الشيخ جابر الأحمد والشيخ سعد رحمهما الله، إلى جانب سمو الأمير حفظه الله، قائداً للفريق الوزاري، والذي منذ الساعات الأولى للغزو الغاشم على دولة الكويت اختار بعض الشخصيات لتقوم بدور قيادي ضمن إطار السياسة الخارجية والإعلامية، ومنهم والدي، رحمه الله، والذي عُرِف بين أصدقائه بلجوئه إلى مذياعه بحثاً عن الأخبار، وأذكر في الثمانينيات وفي حادثة مؤلمة أخرى، وهي تفجير المقاهي الشعبية، بحث عن الراديو ليسمع الخبر بصيغته الصحيحة، لا كما يتناقله الناس. ووجدته في الساعات الأولى من الغزو أيضاً يترك الكويت مع أعضاء الحكومة لتأسيس الحكومة في المنفى في مدينة الطائف بضيافة كريمة من المملكة العربية السعودية، واهتمام مباشر من المغفور له الملك فهد بن عبدالعزيز. والدي أو "أستاذ سليمان" ومعه "الراديو" قام بدور لا ينسى، حاملاً رسالة الكويت إلى قادة الدول ومؤسساتها الإعلامية، مدفوعاً بحب الوطن، ذلك الحب الذي حرص على زرعه في نفوسنا مكللاً بلذة العطاء دون مقابل، أما لقب "أستاذ" فقد التصق به، وذلك لعمله الدؤوب كناظر لثانوية الشويخ.

ربما استطعت أن أقنع نفسي أنني أعرف الكثير عن العلاقات الدولية، بل وإنشاء منظمات إقليمية وعن قرب أيضا، فقد ابتدأ اهتمامي بالتكامل الخليجي مبكراً وأثناء دراستي بكلية التجارة بجامعة الكويت في بداية الثمانينيات، في الوقت الذي كانت كلية التجارة والاقتصاد والعلوم السياسية بالعديلية تعج بالطلبة والطالبات وتجتذب أهل الفكر الاقتصادي والسياسي، وقد كنا نلتقي بهم بشكل مستمر في قاعات الدراسة لنستمع إلى انطباعاتهم حول الأحداث، أبرزها آنذاك ازمة المناخ، والتحول في السياسة الخارجية لدول الخليج وقرارها إنشاء منظومة إقليمية خليجية.

Ad

كنا كطلبة ننظر إلى العالم من حولنا بمنظور فُرِض علينا من قبل أساتذتنا وإعلامنا المحلي، فنقرأ عن الأمجاد إلى الإمبراطورية الأوروبية التي تلاشت مع التاريخ تاركة الفكر والحضارة، ونقرأ مقالات حول القوى العظمى آنذاك بكتلها البشرية وطاقاتها الإنتاجية كالولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي واليابان والصين ونتابع الصراعات الإفريقية عبر القليل من الدراسات التي تنشرها الصحف والمجلات. لم تتوفر لدينا "نعمة " الإنترنت، وكنا نقرأ الصحف المصرية فنجد الولايات المتحدة متعجرفة وقوية والمحرك الأكبر لعالمنا، كما يذكر محمد حسنين هيكل، أما الصحف الكويتية فتراها الحليف الاستراتيجي. واليوم تعددت المصادر والقنوات المعلوماتية وأصبح الطريق المعلوماتي السريع في متناول الجميع والمصادر العلمية متوافرة للطلبة، أما عشاق الأخبار، فوسط الفوضى المعلوماتية التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي، أنصحكم بالعودة إلى راديو "الأستاذ " لأنه يأخذكم في الأزمات مباشرة إلى المحطات الرئيسية متجاوزاً التشتت المعلوماتي الحالي.