جاء افتتاح الصين منذ أسبوعين أول قاعدة عسكرية لها عبر البحر في جيبوتي بمنزلة رسالة واضحة بأن دورها في العالم يتغير، وتبدو الانعكاسات على الشرق الأوسط وإفريقيا بهذا الشأن جلية، لكن الرسالة الكبرى هي أن الصين لم تعد تتظاهر بأنها ذات توجه داخلي، أو قوة آسيوية فحسب. وبينما نمت مصالح الصين الاقتصادية في المناطق النائية، وهي اليوم من أهم الشركاء التجاريين والمستثمرين في جميع مناطق العالم تقريبا بما فيها الشرق الأوسط، بدأت الصين تدرك حاجتها إلى القدرة على حماية هذه المصالح إذا دعت الحاجة.
ولدى إعلان إنشاء القاعدة، سعت الصين إلى إرسال رسالة، إذ ذكر المتحدث باسم وزارة خارجيتها، في تقرير لشبكة "سي إن إن"، أن: "إنجاز وتنفيذ هذه القاعدة سيساعدان الصين على تحقيق التزاماتها الدولية في تنظيم مهام المساعدة الإنسانية، كما سيساعدان على تعزيز النمو الاقتصادي والاجتماعي في جيبوتي". في الوقت عينه، أوضحت وسائل الإعلام التي تديرها الدولة مباشرة أن "الأمر لا يتعلق بالسعي إلى السيطرة على العالم". تعطي قاعدة جيبوتي الصين أول حضور متقدم لها في المنطقة، وتأتي هذه الخطوة مع أول رحلة لأول حاملة الطائرات الصينية "لياونينغ" نحو هونغ كونغ مرسلة بذلك عدة رسائل إقليمية مهمة. وقد أبحرت السفينة عبر مضايق تايوان، ما أعطى رسالة واضحة وقوية حول قدراتها المتزايدة في دعم مطالبها بشأن الأراضي في بحر الصين الجنوبي، فبالإضافة إلى افتتاح قاعدة جيبوتي والمشاركة البحرية الصينية في المناورات البحرية في البحر الأبيض المتوسط، ثمة تغييرات جذرية في قدرة الصين على استخدام القوة.ليست تلك أخباراً جديدة لسكان الشرق الأوسط، ذلك أن الصين تؤدي دورا متزايدا وبشكل ملحوظ في المنطقة، ففي السنوات العشر ما بين 2004 و2014، نمت التجارة بين الصين والشرق الأوسط أكثر من ستة أضعاف وفقا للمنتدى الاقتصادي العالمي. وانضمت كل من المملكة العربية السعودية وإيران إلى مجلس إدارة مصرف الاستثمار في البنية التحتية الأساسية في آسيا، وهي المؤسسة التي أنشأتها الصين وافتتحت أبوابها عام 2016. وفي قضايا أمنية مهمة من سورية إلى إيران إلى باكستان، أدت الصين دوراً أكبر مما كانت عليه الأمور في الماضي، من التعامل مع قضية الأسلحة الكيماوية السورية إلى الاتفاق النووي الإيراني. كانت الصين لاعبا مهما في الشرق الأوسط، وتسعى الآن إلى تعزيز علاقاتها مع الشركاء التجاريين الحيويين ومصادر الموارد الحيوية عبر جميع الوسائل الممكنة، ويشمل ذلك زيادة قدرتها على حماية تلك العلاقات. وبينما تعتبر قاعدة جيبوتي أول موقع للصين في الخارج، بات من شبه المؤكد أنها لن تكون الأخيرة، وفي الواقع، فإن الحكومة الصينية وعدت ببناء قواعد أخرى مماثلة "عند الضرورة"، وثمة نقاش حالي حول إمكان إنشاء قاعدة أخرى في باكستان، وهو بلد يعتبره الصينيون حليفاً حيوياً أسوة بالهند، ما يضمن وصولها إلى موارد الطاقة في الشرق الأوسط. مع هذه الطموحات والنوايا الصينية لن تكون جغرافيا الشرق الأوسط السياسية نفسها. * ديفيد روتكولف * (ناشيونال)
مقالات
قاعدة الصين في جيبوتي والجغرافيا السياسية للشرق الأوسط
02-08-2017