الأهم في زيارة السيد مقتدى الصدر، أمس الأول، إلى المملكة العربية السعودية، التي هي الزيارة الثانية في هذه المرحلة القاسية والصعبة، التي بدأت في عام 2003 ولا تزال متواصلة حتى الآن، أنها جاءت بدعوة رسمية، بينما غدا ملموساً وواضحاً أن الغالبية العراقية، سنّةً وشيعةً، ما عادوا قادرين على تحمل الوجود الإيراني في بلدهم، وأن هناك عمليات فرز قد بدأت بين المتمسكين بعروبة بلدهم، بلاد الرافدين، وبين الذين وصل بهم "التذيُّل" لـ "حراس الثورة" وقاسم سليماني إلى حد الذهاب بعيداً، واعتبار أن مرجعية العراق السياسية، قبل المذهبية، هي طهران، بحيث لم تعد هناك كلمة للعاصمة العباسية التاريخية، لا عسكرياً ولا سياسياً، ولا في أي شأن من الشؤون التي تعتبر أساسية ورئيسية.

وحقيقة أنّ بروز هذا التيار الصدري، الذي يقوده مقتدى الصدر، وريث العائلة التي كانت ولا تزال تشكل مرجعية شيعية – عربية رئيسية، في هذه الفترة التاريخية الحاسمة- حيث أصبح العراق شبه محتل من قبل الإيرانيين، إن لم يكن محتلاً. وهذا أيضاً هو حال سورية "قلب العروبة النابض"- يدل على أن راية العروبة في بلاد الرافدين أصبحت في أيادٍ أمينة، وأن شيعة العراق، وبخاصة في الفرات الأوسط وفي الجنوب، يعتبرون تشيعهم عربياً، لا صفوياً، كما يريد الذين يعتبرون أنفسهم جنوداً ومقاتلين في فيلق قاسم سليماني، وهذا لا يمكن اعتباره مجرد صحوة قومية عربية، بل هو استجابة للحظة تاريخية تستند إلى ماضٍ تليد، يبعث على الاعتزاز والفخر بـ "القادسية" و"نهاوند" العظيمة و"ذي قار"؛ تلك المعركة التي كانت أول انتصارٍ للعرب على الفرس، والتي قادها هاني بن مسعود الشيباني.

Ad

إن مثلنا مثل هذا القائد العروبي الكبير مقتدى الصدر سليل عائلة الشهداء العظيمة، لا نريد صراعاً فارسياً-عربياً، بل إننا نريد حتى إيران هذه، التي على رأسها الولي الفقيه مرشد الثورة علي خامنئي، دولة صديقة... بل وشقيقة تربطنا بها علاقات التاريخ المضيء والمصالح المشتركة والدين الإسلامي الحنيف، لكن ما العمل إذا كان قاسم سليماني هو واجهة هذه الدولة التي غدت تستهدف العرب كعرب، وباتت عملياً تحتل العراق وسورية، بكل معنى الاحتلال؟! هذا إضافة إلى تدخلها السافر في شؤون اليمن ولبنان، وإلى كل ما تقوم به من عمليات استيطان في دمشق التي لا يمكن إلاّ أن تبقى عاصمة الأمويين التاريخية.

وبالطبع، فإن السيد مقتدى الصدر، الذي لا يمكن اعتباره معادياً لإيران... حتى هذه الـ "إيران"، لا سمح الله، عندما قبل دعوة الرياض الكريمة، وذهب إلى جدة، ليلتقي ولي العهد نائب خادم الحرمين الشريفين الأمير محمد بن سلمان، فإنه يعرف أن المملكة العربية السعودية مع "التشيع" الصادق النقي وغير المسيس، وأنها لا تفرق بالنسبة إلى مواطنيها بين سنيٍّ وشيعي، وأنَّ الأساس هو الولاء للوطن، وهو الإسلام العظيم الذي يجمع الجميع في إطاره الرحب الواسع، وأن العروبة مكون رئيسي في هذا الدين الحنيف، وأنه لا يمكن إلا أن تبقى بغداد، كما هي دمشق، عاصمة عربية وبعيدة عن أي صراع مع طهران ذات التاريخ المضيء الذي لم يكن فيه لا حراس ثورة ولا قاسم سليماني، ولا الذين ينظرون إلى العلاقات العربية–الإيرانية من ثقوب ماضٍ بعيد، فيه إيجابيات عظيمة، إلى جانب سلبياته الكثيرة، والمفترض أن تقتصر النظرة إلى ذلك الماضي على الجوانب الإيجابية فقط.

نحن نعرف أن المملكة العربية السعودية عندما تستقبل السيد مقتدى الصدر، فإنها تستقبل العراق كله، بسنته وشيعته وأيضاً بعربه وأكراده وباقي مكوناته القومية، والمهم هو ألا تكون علاقات بلاد الرافدين بإيران (الشقيقة) علاقات شعب بمحتلي وطنه، فهذا مرفوض رفضاً مطلقاً، وهنا فإنه كان على الإيرانيين أن يتجنبوا أن يكون وجودهم في العراق وفي سورية وجوداً احتلالياً، وأن يكون وجودهم في دمشق القديمة والجديدة وجود مستوطنين في "مستوطنات" لا تختلف عن المستوطنات الإسرائيلية في الجولان وفلسطين، فهذا يرفضه العرب كأمة... وهذا هو ما عبَّد كل طرق العلاقات بين التيار الصدري وبلاد الحرمين الشريفين، مكة المكرمة والمدينة المنورة.