كيف ترين المشهد الثقافي والأدبي الليبي راهناً؟رغم الحوادث التي تشهدها ليبيا، الحركة الأدبية مستمرة، فالمعين الأدبي الليبي لا ينضب، غير أن النتاج الأدبي بعد الثورة لم يتبلور بعد، وإن كانت ثمة أعمال متفرقة بين الفينة والأخرى، وتبقى مسألة النشر عائقاً واضحاً أمام الجميع. أتصور بعد استقرار الدولة وبناء المؤسسات ستشهد ليبيا أدباً يتسم بخصوصية طالما ناشدها الأدباء.
ماذا عن الحركة النقدية، وهل من تجارب نقدية رافقت تجربتك الأدبية؟النقد في ليبيا في حالة ركود، ويحتاج إلى قفزة تعينه على الاستلهام والتجدد، وفيما يخصّ أعمالي، خصوصاً روايتي «أسطورة البحر» قُدمت حولها مجموعة من الدراسات بأقلام زملاء أكاديميين، وأخيراً سُجلت حولها رسالة ماجستير.أين الأدب الليبي من الحضور العربي والدولي؟أعتقد أن مشكلة الحضور الأدبي تحتاج إلى وجود مؤسسات وليس جهود أفراد، ورغم ذلك نجد بعض روايات إبراهيم الكوني تُرجم إلى لغات عدة، كذلك ترجمت أعمال للشاعر علي صدقي عبد القادر.
طرابلس و«أسطورة البحر»
صدرت لك روايتك «أسطورة البحر». ماذا عنها، وهل هي رواية الوفاء لمدينة طرابلس؟«أسطورة البحر» أول عمل روائي لي وفعلاً كتبتها لطرابلس التي احتوت الجميع، وأهديتها إلى كل من أحبها وعشقها. هذه المدينة هي مسقط رأسي وفيها جذوري وجذور أسرتي. نسجت في المدينة القديمة أحلام الطفولة والصبا، وفيها تشكّل وجداني ونمت ضفائري البريئة. عندما كنت أرتاد مدرستي الابتدائية، مدرسة جامع محمود، هي الفضاء الذي احتوى أجمل المعالم من السرايا الحمراء إلى المساجد العتيقة إلى القبة المنتصبة على البحر المتوسطي، البحر بعمقه وأمواجه وعنفوانه وأينما يرمي الصيادون شباكهم.هل تتفقين أن «أسطورة البحر» رواية جغرافية تتحدث عن الفضاء المكاني وما يتبعه من تأثيث له؟صحيح. من بديهيات الأمور أن لكل مكان تاريخاً ولكل تاريخ مكاناً، فالمكان والتاريخ توأمان، سواء أحببنا هذا التاريخ أو كرهناه. تبقى الذاكرة حتمية الوجود، والأماكن لا ترتهن لحال واحد، فهي باقية والأزمان والأحوال متغيرة، حيث تعبر من دروبها الدبابات والحروب، وتسلك عبرها قوافل الحجيج إلى بيت الله. كذلك تمرّ من خلالها عربات الفل والياسمين، وهذه إحدى بديهيات طرابلس.القارئ لرواية «أسطورة البحر» يجدها مليئة بخيبات وانكسارات وشخصيات بائسة ومكسورة، فضلاً عن جانب مبهج رغم ذلك. ماذا قصدت من ذلك؟في الحقيقة، ثمة مشهد مؤلم وهو في فصل «الطريق إلى منيدر»، تضمن حالة وفاة ووصفاً للمقبرة، وللفقد وما يترتب عليه من دموع وحزن. كذلك احتوى بعض المشاهد على مقارنات بين أزمنة متعاقبة منها الجميل ومنها القبيح مرت على المكان نفسه، وهذه سنة الحياة، فنحن البشر نمُرُّ بحالات متباينة فيها السعادة والابتهاج وفيها الألم والحزن. ولكن في مجمل الرواية كان التركيز على الجانب الوصفي للأماكن.كتب الأطفال
صدر لك كتاب «أدب الأطفال في ليبيا». هل تغيرت مواصفات الكتابة للطفل الآن في زمن الفضائيات وأفلام الكرتون؟إذا أردنا الحديث عن مواصفات الكتابة للأطفال، فعلينا معرفة مراحل الطفولة، لأن لكل مرحلة خصائصها المختلفة عن غيرها. أما في زمن الفضائيات وأفلام الكرتون، فينبغي إن يرتقي هذا النوع من الكتابة إلى عقل الطفل الذي اعتاد مشاهدة أفلام بمواصفات معينة كي تقنعه.هل تجدين من السهل الكتابة للأطفال، خصوصاً أنك تكتبين بلغة الكبار؟كما قلت، تستوجب الكتابة للأطفال المعرفة العميقة بالمتلقي من حيث العمر والقدرات، كذلك الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.ما الأرضية التي تنطلقين منها عند البدء بالكتابة؟ وما هو الأكثر تأثيراً فيك الكتابة أم النقد؟الكتابة هي نفسها سواء كانت أدبية أو نقدية أدبية، وفي الحالتين أكتب بعين الناقدة وروحها ومشاعر الأديبة ووجدانها، ولكل عمل هندسته ومعماره. النقد مجالي الرحب ويجعل تفكيري دائم التركيز والانتباه، كذلك يفتح لي الآفاق ويدفعني إلى مزيد من النبش في المعارف والمناهج النقدية وما يلزمها من مصطلحات ومفاهيم. أما الكتابة الإبداعية فهي عملية انصهار للتجارب والمشاهدات والمواقف التي نمرّ بها وتمرّ بنا شعورياً أو عقلياً، وأجد فيها إمتاعاً ونوعاً من اعترافات للقلم.نداهة الكتابة
ترى د. فريدة المصري أن الإنسان والتعبير لا ينفصلان، والتعبير ربما يكون كتابة، أو تشكيلاً، أو صوت موسيقى، وتكمن أهميته في كونه انفراجاً عن ذات، أو عن كون، أو وجود، أو فكرة وموضوع. وتضيف: «الكتابة إحدى الوسائل التي يعبِّر بها الكاتب عن تفاصيل توقد داخل نفسه، لذلك تدفعه الرغبة إلى إحاطة غيره بهذا التوقد الذي يعتريه، فيتوقَّع أن تحدث كلماته صدى لدى المتلقي. الكاتب إنسان لا يستطيع إخفاء ما في داخله، ويحاول جاهداً أن يُعلم الآخرين به وإن كان ترميزاً، وأزعم أحياناً أني لم أكتشف الكتابة لدي، ولكني ولدت وفي داخلي حروف وكلمات تحتاج مني إلى ترتيب، وإعادة هيكلة، بحسب الموضوع».وعن الطقوس في الكتابة تقول: «لا ألزم نفسي بطقوس معينة غير ورقة وقلم يلازمانني، لأن الفكرة عندما تأتي ولا تُدون فلا مجال للقبض عليها لاحقاً».