إذا كانت القضية الكبيرة، وتكاد تكون المصيرية لاقتصاد الدولة، مثل مشروع تطوير الجزر أو طريق الحرير، ستناقش في الأروقة الحكومية وفي المجلس النيابي بطريقة "كتابنا وكتابكم... ونمى إلى علمي... ودستور الدولة يحرم... وقوانين البلاد، وعاداتنا وتقاليدنا... وغير كل ذلك من ثرثرة سياسية وبيروقراطية مريضة متواكلة لا تقدم شيئاً، بل تؤخر من علاج الأزمة، وتقصر من مستقبل عمر الدولة، فلا طبنا ولا غدا الشر".

الوقت يمضي سريعاً، والديون والعجز المالي يتراكمان وينموان بمعدلات رهيبة. وزير المالية أنس الصالح، الذي أبدى قبل أشهر قليلة في تصريح لصحيفة أجنبية خشيته على مستقبل الدولة، وتم نقده في حينها بمرارة من الكثيرين، رد على سؤال نيابي، بأن قيمة السندات التي أصدرتها الدولة في مارس الماضي بلغت 8 مليارات دولار. سندات تعني ديوناً على الدولة، وحملاً كبيراً ينمو في كل لحظة تمر سنتحمله في وقت قصير، وسيدفع ثمنه الأبناء بمعاناة رهيبة، فيما الآن لا يبدو أن هناك مَن يشعر بأزمة الاقتصاد... المكيفات تعمل بكفاءة، والكهرباء رخيصة، ودعم السلع الغذائية وغيرها متوافر، والحكومة تودع الرواتب لأساطيل الموظفين في مواعيدها، وتوقع عقود السلاح بانتظام أيضاً، وبين فترة وأخرى يبزغ لنا مسؤول حكومي في منصب قيادي، لا نعرف كيف وصل إلى مركزه العالي، يطمئن الجميع ويعدهم، بأن الحكومة لن ترفع من سعر تلك السلع أو الخدمات، ولن تزيد من ثمنها، ونحن بخير وعافية. وكأنه لا توجد أزمة تهاوي أسعار النفط، وأن الأخبار التي نسمعها ونتابعها عن أوضاع الاقتصاد في العالم ومنطقتنا هي أوهام وخرافات!

Ad

لا أحد يريد أن يكمم أفواه أعضاء المجلس النيابي غداً، فمن حقهم وحق الأمة أن تعرف كل صغيرة وكبيرة عن مشروع الجزر وطريق الحرير، وللنواب حق نقده والاعتراض عليه... هذا إذا كانوا يتصورون أن هناك طريقاً آخر يمكن أن تسلكه الدولة حتى تتجنب كارثة الاقتصاد. النائبة صفاء الهاشم، مثلاً، عندها "تساؤلات تحتاج إلى إجابة" حول مشروع الجزر، والنائب عبدالله الرومي "يتمنى ويسعى لكل مشروع لتنويع مصادر الدخل، لكن (عند صديقنا عبدالله) لابد أن يراعي منظومة الدستور والقوانين". لا شيء في الدستور يمنع "تطوير الجزر"، لكن يعرف عبدالله أن مصيبتنا في هذه الدولة؛ إما في تلك القوانين التي شرع الكثير منها لمزايدات سياسية ولتحقيق مصالح القلة المتنفذة، وبصمت عليها السلطة في زمن مضى كي تسترضي أصحابها، وتجنب نفسها وجع الرأس، وإما في طريقة تطبيقها حين خلقت الإدارة ألف دائرة ملتوية لتنفيذها، وأيضاً، بالوقت ذاته، تركت الأبواب مشرعة لتجاوزها وفق أصول الصنعة في عالم المحسوبيات و"الواسطات".

النائب صالح عاشور حكم مسبقاً بأن خطة الجزر "صعبة التطبيق، لأنها بحاجة إلى تشريعات بعضها يصطدم مع الدستور، وفقاً لما تمت مناقشته في اللجنة المالية"! كيف يمكن أن تصطدم مع الدستور؟ وكيف عرف النائب عاشور أنها صعبة التطبيق؟ وإذا كانت حقيقة صعبة، فهل يعني ذلك أن نطلقها، ونترك البلد للخراب القادم لا محالة إذا بقينا على نهج التفكير التقليدي في مواجهة الأزمات؟! هذه الأزمة "سقوط البرميل" ليس لها سابقة مثلها، والزمن يمضي ولن يعود، وأيام الرخاء ولَّت بغير رجعة، فما العمل؟ هل لديكم تصور أو بديل آخر؟... تفضلوا أخبرونا به، وطمئنونا.