مسرحية «وصفولي الصبر» من كتابة عبير حمدار، خريجة الجامعة اللبنانية الأميركية، بالاشتراك مع خريجي وطلاب الجامعة وغيرهم، وهي تستند إلى مقابلات مع نساء أصبن بالسرطان وتجربتهن معه، وتجمع بين الواقع والخيال وبين الإبداع والنقد مبتكرة مساحة حوارية بين نساء عربيات، البعض منهن مقتبس عن شخصيات من أعمال أدبية سابقة وأخريات من الواقع، وهي من تمويل «مجلس أبحاث الآداب والعلوم الإنسانية في بريطانيا»، كجزء من برنامج Open World Research في جامعة درهام، ومن الجامعة اللبنانية الأميركية.

Ad

اختراق المرض

في مسرحيتها الجديدة، أصرّت لينا أبيض على اختراق داء السرطان الذي يتحاشى الناس ذكره ويخشونه، لذا عنونتها «وصفولي الصبر»، وهو مقطع من أغنية أم كلثوم، تحكي على هديه ثلاث نساء كيفية مواجهتهن المرض كل واحدة على طريقتها، بشجاعة ومن دون أن يستسلمن للإحباط وينتظرن الأسوأ. هكذا قلبت لينا أبيض المعادلة، فبدل أن يؤدي المرض إلى الموت، إذا به يشكل حافزاً للتعلق بالحياة.

هدف لينا أبيض من المسرحية اختراق محرّمات هذا المرض، وشنّ حرب عليه لا هوادة فيها، داعية كل من يجتاحه السرطان إلى الوقوف سداً منيعاً في وجهه. من هنا، تبدو المسرحية كأنها بوح من الذات إلى الذات، وكأنها مرآة تعكس ما يعتمل في نفس كل امرأة عاشت هذه التجربة، ولا عجب إذا أن تحمل مسرحيتها أبعاداً إنسانية من خلال التعمق في رسم الشخصيات من دون وضع روتوش أو القيام بأية خطوة اصطناعية.

حقيقة ومساندة

الحقيقة، لا شيء غير الحقيقة، صوّرت لينا أبيض النساء كل واحدة منهن في وضع مختلف، الأولى استسلمت له والثانية تصالحت معه والثالثة جابهته فغلبته، مركزة في تناولها تلك الشخصيات على التحولات والتفاعلات التي تنتاب العقل والقلب والعواطف إزاء هذا الداء، لذا لم تتوانَ عن التطرق إلى تفاصيل صغيرة إنما لها دلالات كبيرة، من شأنها ربما التوعية حول كيفية التعاطي مع المرض من منطلق المنتصر مسبقاً عليه لا من منطلق المهزوم مسبقاً.

اللافت في المسرحية إلى جانب الأداء التمثيلي، أداء راقص لإحدى المريضات الثلاث، ما أضفى انطباعاً إيجابياً لدى الجمهور، وأجواء من الهدوء والسكينة بعيداً عن سوداوية المواقف عادة التي ترافق هذا الداء.

لا تتناول المسرحية وضع المريضات الثلاث فحسب بل تُدخل ضمن دائرتها المحيطين بهن من أهل وأصدقاء وأقارب... وكيفية تعاملهم معهن، وذلك توعية لهؤلاء بوجوب أن يكونوا سنداً قوياً للمريض ويساهموا في أضفاء أجواء من الفرح والمحبة والاهتمام حوله وليس اعتباره بحكم المنتهي من الحياة، والراحل قريباً عنها...

قبل أن تقدم لينا أبيض مسرحيتها، استقصت حول المرض وقابلت أطباء ومرضى بغية الإحاطة الكاملة به وإعطاء صورة حقيقية عنه للتوعية، لذا اعتمدت الواقعية من دون الوقوع في تفاصيل مضللة من شأنها إعطاء صورة سوداوية عن المرض، مع تعمدها تجاهل بعض ردود الفعل أو الانفعالات التي تنم عن جهل بالسرطان، لا لشيء إلا لأنها تقصد من مسرحيتها تحفيز الجمهور على اعتبار هذا الداء إحدى الحروب التي يمكن مواجهتها في الحياة والانتصار عليها، وليس دفعه إلى الإحباط واليأس والغم والهم، داعية الجميع إلى الالتفاف حول المريض وتقديم الدعم له لمساعدته على تجاوز أزمته.

لم تغفل المسرحية أن ظروف الحياة اليوم تفرض العمل ساعات طويلة أو الهجرة وبالتالي عدم القدرة على البقاء أوقات طويلة مع المريض، إلا أنها دعت إلى إيجاد مساحة حضور إلى جانب المريض ومشاركته آلامه ومعاناته والتخفيف عنه.

قصص مختارة

اختارت لينا أبيض قصص النساء الثلاث من 60 قصة مشابهة، وعرضت تفاصيلها على مدى 90 دقيقة على خشبة المسرح، خرج الجمهور منها حاملاً الكثير من الأمل والإصرار على هزم هذا المرض وعدم التهرب منه وتحاشي ذكر اسمه.

المشاركات في المسرحية هن: نماء الورد، تجسد دور امرأة عراقية تعتبر المرض أخف وقعاً عليها من حقبة سياسية معيّنة شهدتها بغداد. عليا خالدي والممثلة المصرية هبة سليمان وقد جسدتا شخصيتي الامرأتين الأخريين. نجحن في أدائهن بتحويل الأفكار التي تنتاب الناس حول هذا المرض إلى طاقة إيجابية لمحاربته.