الأهم في النقاط "الثلاث" التي تضمنتها آخر تصريحات وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون حول الأزمة أو "الكارثة" السورية، التي دخلت عامها السابع منذ مارس الماضي، هي النقطة التي شددت على ضرورة إنهاء الوجود العسكري الإيراني في سورية، لأن إنهاء هذا الوجود، الذي أصبح احتلالاً بكل معاني الاحتلال، يعني انتهاء التدخل الإيراني السافر في شؤون هذه الدولة العربية، وبالتالي يعني رحيل "المستوطنات" التي أنشأتها إيران في إطار عمليات التغيير "الديموغرافي" المستمرة والمتواصلة حتى الآن، وشملت أحياءً بكاملها في دمشق القديمة، وبدوافع "مذهبية" باتت معروفة وغير خافية على أحد.

لكن ما يجب أن يُقال لوزير الخارجية الأميركي: مَن المقصود يا تُرى بضرورة إنهاء هذا الوجود؟ هل روسيا التي هي من جاء بالإيرانيين إلى سورية، وشجعتهم على استباحتها على هذا النحو؟ أم هو نظام الأسد نفسه، الذي لولا إيران واحتلالها واستيطانها، وبكل أشكال الدعم الروسي، لكان هذا النظام البائس غير موجود الآن، ولرحل بعد أقل من عامين من بدء الثورة السورية، التي بدأت، كما هو معروف، في مارس 2011؟ أم هي تركيا، التي لا يمكن إنكار دعمها لهذه الثورة، على نحو يخدم مصالحها، التي يأتي في طليعتها القضاء على حزب العمال الكردستاني – التركي (P.K.K)، ومنع قيام أي كيان كردي، حتى إن كان دون مستوى الدولة المستقلة؟!

Ad

لذلك، فإن هذا الكلام يجب أن يقوله وزير الخارجية الأميركي لإدارة الرئيس دونالد ترامب، ولنفسه، وللجهات الفاعلة في الولايات المتحدة، وأيضاً لمن يؤيدون الولايات المتحدة، فإنهاء الوجود العسكري الإيراني في سورية، الذي ساهمت في استدراجه المواقف الرديئة والمائعة لإدارة باراك أوباما السابقة، يتطلب جدية من الإدارة الحالية، وإنذاراً أميركياً فعلياً مشفوعاً بظهور عسكري أميركي في هذه المنطقة، بأنه على إيران أن ترحل عن هذا البلد العربي، ليس عسكرياً فقط، ولكن سياسياً و"استيطانياً"، خلال فترة محددة يكون الكلام بعدها - إن لم تستجب طهران - للصواريخ والقاصفات الاستراتيجية، وأيضاً للمدافع والدبابات!

هناك بيت شعر عربي يقول: "وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلاباً"... فالاستجداء بهذه الطريقة لن يزيد الإيرانيين إلا إمعاناً في مواصلة احتلالهم العسكري لسورية، وإمعاناً في عمليات الاستيطان التي يقومون بها في إطار مخططات التغيير الديموغرافي المتواصلة. والمشكلة هنا، هي أن وجود إيران العسكري في هذا البلد العربي تم برعاية روسية، وتواصل وتجذر بعلم موسكو، ومعرفتها، وبحماية قواعد روسيا العسكرية.

إن "بيت القصيد" هو الوجود العسكري الإيراني في سورية. أما بالنسبة لضرورة الحفاظ على الوحدة السورية، التي تحدَّث عنها تيلرسون، فإن ذلك يُشكر عليه هو وإدارته، وهذا ينطبق أيضاً على تأكيده بأنه "لا وجود للأسد في مستقبل سورية".