الاتحاد الأوروبي في مهب الريح إذا تراجع البريطانيون عن «بريكست»

أزمات متلاحقة لن يكون آخرها النزاع الفرنسي – الإيطالي حول ليبيا

نشر في 04-08-2017
آخر تحديث 04-08-2017 | 19:15
No Image Caption
أؤكد أن مجرد الحديث عن عودة بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي هو مصدر رعب بالنسبة إلى كل من تهمه مسألة صمود هذا الاتحاد وقدرته على البقاء في مواجهة أزمات محدقة.

على الرغم من أن معظم السياسيين البريطانيين قد جعلونا نؤمن بأن «البريكست هو بريكست حقاً» أي أنه قرار نهائي لا رجعة فيه «Brexit is Brexit»، تحدث قادة أوروبيون في الآونة الأخيرة عن وجود إمكانية حقيقية لتراجع المملكة المتحدة عن قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي. ويتعين أن يثير ذلك الهلع في نفس كل من اهتم بمسألة ديمومة الاتحاد الأوروبي منذ استفتاء عام 2016 بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

قال رئيس وزراء مالطا جوزيف مسكات الأسبوع الماضي: «بدأت أشعر للمرة الأولى أن البريكزت لن يحدث. وأنا أرى إشارات مشجعة تدل على تحول في مجرى التيار».

ومسكات ليس شخصاً عادياً، فهو على معرفة بتفاصيل عملية البريكزت أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فقد تولت بلاده رئاسة الاتحاد الأوروبي الدورية من شهر يناير حتى يونيو.

من جانبه، قال رئيس الوزراء الأيرلندي ليو فارادكار عندما سئل عن البريكزت يوم الاثنين الماضي: « مازلت آمل ألا يحدث ذلك».

وهو يعلم أيضاً المزيد عن خروج بريطانيا من الاتحاد لأن حدود بلاده مع بريطانيا تعتبر واحدة من القضايا الشائكة قيد المفاوضات.

وتوجد أسباب وجيهة وراء عدم قول السياسيين البريطانيين المنتسبين إلى الحكومة والمعارضة أشياء مماثلة.

ولم تحقق الدعوة إلى إجراء استفتاء ثان أي حصيلة بالنسبة إلى الحزب الليبرالي الديمقراطي في انتخابات شهر يونيو الماضي.

وتعهد معظم كبار الشخصيات السياسية في المملكة المتحدة باحترام نتيجة الاستفتاء، الذي جرى العام الماضي حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وما من يريد أن يكون أول من يدعو إلى تراجع محفوف بالخطر على الرغم من أن بعض استطلاعات الرأي تظهر أن معظم البريطانيين يريدون البقاء في الاتحاد.

وليس أمام قادة أجانب من أمثال مسكات وفارادكار مثل هذه القيود ولذلك فإن تفاؤلهما المفاجىء يمثل إشارة قوية على تحول المواقف من وراء الستار.

لكن اولئك، من أمثال مسكات وفاردكار، الذين يأملون ألا يحدث البريكزت فعلاً يجب أن يتوخوا الحذر إزاء ما يتمنونه.

تحديد الأهداف

بعد استفتاء عام 2016 يبدو الاتحاد الأوروبي أكثر قوة من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، لكنه لا يزال يواجه متاعب في تحديد أهدافه وحتى في قيمه السياسية كما تبين من الصراع الحالي بين أوروبا الغربية والشرقية.

وتدفع دول في أوروبا الشرقية بقيادة بولندا والمجر نحو مزيد من الحكم المطلق والإجراءات الأكثر شدة من أجل الحفاظ على التجانس العرقي. فيما يؤيد الشطر الغربي القيم الليبرالية التقليدية وهو أكثر تساهلاً مع قضايا الهجرة على الرغم من ضغوط أحزاب جناح اليمين. ويوجد الكثير من عوامل الانقسام الأخرى وتبرز عوامل جديدة بصورة مستمرة. وتوجد الآن توترات مفاجئة بين فرنسا وإيطاليا حول قرار فرنسا منع استيلاء شركة إيطالية على حوض سفن رئيسي، كما أن سعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتسوية الأزمة السياسية في ليبيا – وهي ميدان إيطاليا التقليدي – لم يساعد في حلحلة الأمور.

وتحاول بيروقراطية الاتحاد الأوروبي ودوله الرئيسية صياغة خط مشترك أكثر وضوحاً حول مستقبل الاتحاد. وآخر ما تحتاج إليه هو قوة نابذة أخرى – والمملكة المتحدة بمؤسستها السياسية الحالية سوف تكون بالتأكيد واحدة من تلك القوى. وحتى قبل تفجر البريكزت نحو حقيقة سياسية كانت المملكة المتحدة العضو المستبعد بقدر أكبر عن مجلس الاتحاد الأوروبي.

والآن ومع ملايين المواطنين، الذين صوتوا ضد الاتحاد الأوروبي، فمن المرجح أن تكون أكثر تعارضاً ومعارضة للفدرالية.

وكانت المملكة المتحدة الدولة الأكثر خروجاً على مسارات الاتحاد الأوروبي المهمة مثل معاهدة الشنغن لحرية السفر واليورو وميثاق حقوق الإنسان الأساسية إضافة إلى الخفض في ميزانية الاتحاد الأوروبي.

وقد ألهمت قدرة المملكة المتحدة على نيل هذه الاستثناءات دول أوروبا الشرقية –حيث كانت النخبة التي تتحدث الإنكليزية تتطلع إلى بريطانيا منذ زمن طويل بوصفها قدوة – وتسعى إلى خيار خروج مماثل.

ولولا القرار الذي اتخذته المملكة المتحدة لربما كانت منطقة اليورو أكبر مما هي عليه اليوم.

وعند استبعاد هذه القدوة سوف يكون من الأسهل بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي السعي إلى اتحاد أكثر اتساقاً وقرباً.

وتتحمل المملكة المتحدة بالتأكيد المسؤولية عن قرار أيرلندا الخروج من منطقة الشنغن الخاصة بحق الدخول والتنقل بين دول الاتحاد الأوروبي، وهي كانت تريد أن يأتي الزوار، الذين لديهم تأشيرات شنغن دون مراجعة السفارة، لكنها وجدت أن من الأفضل لها أن تمنح هذه الميزة للفيزا البريطانية. ولكن حتى بعد البريكزت قد تضطر أيرلندا إلى البقاء خارج منطقة «التخلي عن الحدود».

سيناريو العودة

السيناريو الذي سوف يتضمن عودة المملكة المتحدة إلى الحظيرة وهي مهزومة وراغبة بقبول كل شيء – اليورو والشنغن وسلطة محكمة العدل الأوروبية – أو لتقديم بعض التنازلات على الأقل قد يكون ماقصده القادة المؤيدون لأوروبا من أمثال ماكرون ووزيرالمالية الألماني ولفغانغ شويبل عندما قالا إنهما يرحبان بالتراجع عن البريكزت.

وعلى أي حال، فإن مثل هذا الالتفاف يبدو غير واقعي. ومالم تتم عملية جراحة دماغ لا سبيل أمام العامة في بريطانيا لتغيير رأيها بسرعة بعد أن قررت الخروج من الاتحاد الأوروبي.

ويوجد سيناريو أفضل للجميع من فكرة البريكزت الحاد أو العودة إلى وضعية ما قبل الاستفتاء. ويشمل ذلك انضمام المملكة المتحدة إلى رابطة التجارة الحرة الأوروبية مع كل من آيسلندا وليختنشتاين والنروج وسويسرا، وسوف يتم إلى حد كبير الحفاظ على العلاقات التجارية وترتيبات الحدود الحالية، لكن المملكة المتحدة لن تحصل على صوت في أوروبا في هذه الحالة، كما سوف تتوقف عن أنها قوة طاردة كما هي حال النروج.

وعلى الرغم من أن السياسيين في المملكة المتحدة يقولون إن السيناريو النرويجي ليس موضع نظر بالنسبة لهم، فالأسهل تماماً هو إحياؤه بدلاً من العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، وربما فترة انتقالية أولاً مع النظر إلى جعله مستداماً بعد ذلك. وعلى الأقل فإن البريطانيين لم يصوتوا ضد عضوية بلادهم في رابطة التجارة الحرة الأوروبية في عام 2016.

وفي المحصلة ليس هناك مفر من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فهذا سيكون أفضل لها من إجبارها على العودة إلى أوروبا أوما يشبه ذلك.

back to top