ماذا لو استمع العالم وقتها إلى تحذيرات مبارك؟
"إن الحل هو عقد مؤتمر دولي يقوم ــ تحت رعاية الأمم المتحدة ــ بصياغة اتفاقية تجرم الإرهاب... وتتعهد من خلالها الدول الموقعة بعدم استقبال إرهابيين على أراضيها وبعدم السماح لهم بفتح معسكرات تدريب على ترابها الوطني، وبمنعهم من المرور من بلد إلى آخر على أن تتم مقاطعة دولية للحكومات التي ترفض تطبيق هذه الاتفاقية... ولقد سبق لي أن قدمت هذا المشروع لأول مرة أمام برلمان ستراسبورغ خلال عام 1986، فكم من وقت أهدرنا منذ ذلك الحين؟". هذا كان رد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك عندما سأله ارل لامبروسكين رئيس تحرير صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية في الثاني والعشرين من سبتمبر عام 2001، أي بعد أيّام من هجوم الحادي عشر من سبتمبر، كما يمكنا أن نرى من خلال الإجابة، بل من خلال الحوار كله، كيف كانت الرؤية المصرية شديدة الوضوح في مسألة خطر الإرهاب على العالم ككل، وأيضاً أسلوب مكافحته.وقتها أيضاً نصح مبارك الولايات المتحدة بألا تلعب نفس لعبة أعدائها قائلا: "إنهم يترقبون إجراءاتكم القمعية حتى ينطلق من بين الدماء والحطام جيل جديد منهم يطالب بالثأر من أميركا"... كان رأيه أن الدواء لا ينبغي أن يكون أمر من الداء، واستحضر مبارك حادث محاولة اغتياله: "عندما حاول الأصوليون اغتيالي عام 1995 في أديس أبابا كان أول رد فعل لي هو الغضب وكان رد الفعل المتوقع مني بوصفي من العسكريين هو الرد باستخدام القوة لكنني سرعان ما أيقنت أن قتل أبرياء هو أسوأ الحلول، وبدلاً من الرد العسكري فضلت إجراء تحقيق وتحريات، وقد قامت أجهزة المخابرات المصرية بالفعل بتحريات واسعة أسفرت في نهاية الأمر عن تحديد الجناة".
ورداً على سؤال حول حق اللجوء السياسي، قال: "إن حق اللجوء تكفله المبادئ الديمقراطية... لكنه من غير المقبول أن تمنح دولة ديمقراطية حق اللجوء السياسي لمجرمين، ضاربة بذلك عرض الحائط بمعاناة ضحاياهم، إن القاتل لا يحق له المطالبة بحقوق الإنسان، ومنح اللجوء لأناس قتلوا النساء والأطفال بهدف واحد هو زعزعة استقرار بلد هو انتهاك لحقوق الضحايا، وإذا ارتكب شخص جريمة في فرنسا، فلا تظن أنه سيتمكن من اللجوء إلى مصر، فسوف أسلمه إلى فرنسا على الفور".وقتها أيضا صنف لندن على أنها تحولت إلى أكبر قاعدة خلفية للإرهاب في أوروبا، وأن بعض العواصم الأوروبية تحولت في المقابل إلى مراكز تجمع حقيقية للإرهابيين، وعلى الحكومات التي قبلت استضافتهم ألا تتباكى أو تذرف الدمع عندما تتحول إلى أهداف لهم.منذ وقت طويل كانت الرؤية المصرية لخطر الإرهاب وأسلوب محاربته شديدة الوضوح، لكن كثيرا من دول العالم، خاصة الغربي، لم تستطع أن تستوعب ذلك إلى أن طالتها نيران الاٍرهاب، ساعتها بدأوا الحديث عن الحرب على الإرهاب، ومفهوم الحرب هذا أيضا مصطلح يحتاج إلى تحديد، وهنا أعود مرة أخرى إلى تحديد مصر لهذا المفهوم منذ سنوات طويلة. الحرب بمفهومها التقليدي أصبح مفهوما باليا والإرهاب يتجاوزها خطورة، وعلى العالم أن يعي أنه مقبل على معركة طويلة على عدة جبهات، لذا يجب اختراق عدة شبكات قبل أن تتمكن دول العالم من وقف جميع الإرهابيين. مبارك علق على ذلك من زمن قائلاً: "علينا أن نستغل الاستخبارات قبل أن نضع أيدينا على المنظمين وأن نراقب التحويلات المالية عبر العالم وأن نتابع الاتصالات عبر الإنترنت (...) لكن كل ذلك يتطلب منا الصبر والاستعانة برجال الشرطة والمخابرات.... إن قائد قاذفة تطلق الصواريخ على جبل في أفغانستان لن يفيدنا في شيء فهو لن يفلح مهما كان في تدمير جبل يحوي كهفاً يخفي زعيم الإرهاب!".عندما اطلعت على هذه الرؤية شعرت أنه لزاماً عليَّ أن أشارككم فيها.