مرَّ منذ ذلك الخميس الكئيب في الثاني من أغسطس عام 1990 أكثر من ربع قرن، وفي كل مرة يعود فيها هذا التاريخ تتباين آراء الناس في الكويت والعراق حول الحساب الذي يلي غزو العراق للكويت... أصوات عديدة تطالبنا بألا ننسى أو نسامح، وهي أصوات لم تستطع التسامي على جراحها والتغلب على شعور الريبة تجاه الآخر. في المقابل، هناك أصوات عاقلة تجيد الحث على عدم نكء الجراح، والتعامل مع الجار الشقيق بعقلانية أكثر، وتسعى نحو قبوله والتعايش معه. العراق سيبقى جغرافيا جار الكويت، وتربطه علاقات تاريخية واجتماعية لا يمكن محوها أو التحرر منها، تلك أمور قدرية لا تمنح أي طرف منهما مساحة للفرقة. ثقافة التسامح والتعايش ضرورة لاستمرار الحياة الطبيعية بين جارين شقيقين، وإن شابت هذه الحياة العديد من الانتهاكات ومحاولات الاحتواء.
الأبناء الذين وُلدوا في تلك الأيام العصيبة في البلدين لم يشهدوا ما حدث، ولم يعيشوا المأساة، والأصوات التي تطالبهم بأن ينضموا إلى فريق رفض التسامح يفرضون عليهم حياة عدائية مستمرة. الأبناء في الكويت، كما هم في العراق، ضحية دعاة العنصرية والاقتتال الطائفي البغيض، والذي تغذيه عناصر تعتاش على هذا التناحر الطائفي. تلك الدعوات التي يجب محاربتها والوقوف بجدية أكثر في تصاعدها والتصدي لها، كي لا تتمدد إلى سوء أكثر من هذا السوء.ليس من حل أمام الشعبين سوى التعايش ثقافيا، والعمل على المزيد من التقارب، كما كان الوضع قبل ذلك الخميس البغيض. لقد أثرت الثقافة العراقية في الماضي كثيرا في الجسد الثقافي الكويتي، وكانت البعثات الدراسية نحو بغداد تضاهي مثيلاتها نحو القاهرة. ويمكن العودة لتلك الأيام التي تتخللها الأسابيع الثقافية، ودعوة مجاميع مسرحية وغنائية على مدار العام، سواء من العراق إلى الكويت أو بالعكس.ليس أمام الشعبين سوى التخلص من ترسبات الماضي، والتفكير جديا في المستقبل، لبناء أجيال متحابة ومتصالحة تتشارك في البناء أكثر من المساهمة في الهدم، فالعيش في كنف الماضي لن يمنحنا سوى مزيد من البغض والكراهية. وربما قراءة التاريخ تساهم جيدا في أن نتخلص من هذا القلق التاريخي، فلم تكن اليابان في الأمس، الذي شهد حربا مدمرة قصفت فيها بالأسلحة النووية في أبشع حرب بينها وبين أميركا، كحالها اليوم، وهي تنتفض على جراحها، لتصبح المنافس التقني الأول للولايات المتحدة، وأحد أهم الاقتصادات في العالم. وما ينطبق على اليابان ينطبق على ألمانيا هتلر، رغم أن تلك الحروب الشرسة والبشعة لم تكن بين شعبين تربط بينهما لغة ودين وامتداد تاريخي واجتماعي، كما هي الحال بين العراق والكويت. علينا أن نعمل بجدية حقيقية لنزع الشعور بالريبة، والأحداث القادمة تنبئ بالكثير من الصراعات في المنطقة الخليجية، وهي تسير نحو مجهول لا نعرف نهايته. فالمشكلة الأكبر الآن، هي أن أصوات الكراهية بدأت تعبث أيضا بعلاقة الكويت بجيرانها في الخليج، وهو أمر معيب، إذا لم ننتبه له ونوقفه عند حده بالرفض، فإننا نساهم في زرع المزيد من الفرقة والكراهية بين الشعوب الأكثر قربا لنا.
توابل - مزاج
حسابات الغزو والتحرير
06-08-2017