ربما أننا في الكويت من أكثر الشعوب استهتاراً بجنسيتنا.

فما إن تحدث مشكلة، وما إن يتهم متهم بفعلة نكراء، يتدافع الناس إلى المطالبة بسحب الجنسية، هكذا، بلا مقدمات. ولعله بات ملحوظاً أن من يتقدم بتلك المطالبات هم بعض السياسيين الذين يفترض أن يكونوا على درجة معقولة من الحصافة والإدراك وعدم الاندفاع، بل نجدهم قد اتخذوا مواقف متناقضة في قضايا أخرى.

Ad

وللأسف، إن ظاهرة الاستهتار بالجنسية تنطبق على الجميع دون استثناء، إلا من رحم ربي.

كنت أظن أن معركة سحب الجنسية أو حتى المطالبة بها قد اخذت اتجاه التهدئة، ووضع الضوابط التشريعية لكبح جماح السلطة من التعسف في استخدامها، إلا أنه ثبت بالدليل القاطع أن سياسيينا في الأغلب الأعم يعانون من هشاشة عظام سياسية، وحالة ضعف وتوهان في التعامل مع قضايا الأمن الوطني. ينطبق ذات الأمر على الموقف من أحكام القضاء وطبيعة مرجعية تلك الأحكام، وهل تأتي على هوانا ورؤانا؟ فإن لم تكن كذلك فهي بالضرورة جزء من مؤامرة تستهدف هذه الفئة أو تلك.

والملاحظ أن المواقف تتبدل بسرعة في اتجاهين متناقضين. يضاف إلى ذلك أنه ما إن يصدر حكم على عدد من البشر يتم توجيه الاتهام لكل الفئة التي ينتمون إليها. وأحياناً حتى العائلة التي ينتمي إليها المتهم أو المدان، وتحت هاجس استشعارها بتخوينها وإدماجها بالاتهام تتجه أحياناً إلى الإعلان عن عدم قبولها أو رفضها لما فعله ابنهم، مع أنه يفترض أن ذلك هو واقع الحال. وحتى نكون أكثر دقة، لا يوجد حكم قضائي يرضى عنه الجميع، لا بل هناك أحكام تتضمن أخطاء فادحة، وقد يكون بعضها عن سوء تقدير أو قد يكون متعمداً. فما العمل؟

لا يبدو أن هناك حلاً في بلد مستقر إلا التعامل بكل الوسائل الإجرائية القضائية المتاحة، وإلا فنحن مقدمون على مأزق أكثر تعقيداً.

ويضاف لنفس درجة الاستهتار والعبث طريقة التعامل مع الحريات العامة، والتعبير والحق في التنظيم والتجمع، وهي كلها حقوق كفلها الدستور. وأبرز مثال على ذلك كيف تحولت مناوشات "تويترية" في بداية ٢٠١٢ بسرعة البرق إلى قانون اشتهر بـ "إعدام المسيء". تم ذلك في بداية حياة "مجلس الأغلبية" فبراير ٢٠١٢ بتواطؤ كامل بين من يفترض أنهم نواب الإصلاح والحكومة. ونحمد الله أنه قيض لنا رجلاً كحضرة صاحب السمو حين رد ذلك القانون المعيب موضحاً أخطاءه وتناقضاته مع الدستور، ومن ثم دفن ذلك القانون المعيب في حفرته.

ذات التهافت وذات الاستعجال المناقض لأمن الوطن واستقراره، وذات الذهنية تجلت في مجلس ٢٠١٣ بقانون معيب آخر اشتهر بقانون "البصمة الوراثية"، والذي صدر خلال ٤٨ ساعة فقط لا غير، واستغلت جريمة تفجير "مسجد الصادق" لتمريره بتبريرات الحفاظ على الأمن وكشف المزورين، مع أنه لا يحقق ذلك. حتى وجدنا أمير البلاد يعلن رفضه له حتى بعد صدوره. وفي ذات الإطار والتوجه يجري الحديث العبثي وردود الأفعال المعلبة في الدعوة لحل جمعيات نفع عام وإغلاقها، أو حتى إغلاق صحف ومحطات تلفزيون، ونجد للأسف من يصفق لذلك.

حقيقة الأمر هي أن أي إجراء مستعجل، وأي قانون مناقض للدستور ومتعارض مع مبادئ الحريات العامة، لن يكونا إلا معولي هدم لأمن المجتمع واستقراره وأمنه، وقبل هذا وذاك حرياته وعدالته.