رياح وأوتاد: الفساد أشكال وألوان
الكل في الكويت يتكلم عن الفساد، ولكن للأسف الصورة المسيطرة على معظم هذا الكل هي الفساد المالي مثل السرقة والتربح غير المشروع وفساد المشاريع والمناقصات، وهذه في نظري من أقل صور الفساد شيوعاً رغم خطورتها، لأن البلاد تعاني صوراً أكثر تجذراً وأفتك أثراً، وهي للأسف أكثر انتشاراً، ويلمسها الجميع، ولكن من يتصدى لها هو القليل. فعندنا يشيع الغش في الامتحانات، ويمتلئ البلد بالشهادات المضروبة والمتدنية، ويكثر الكلام عن "الرشاوى" ورخص العمالة والقيادة المزورة، وعندنا ترقيات بالمحسوبية والواسطة، وعندنا آلاف القضايا في المحكمة الإدارية، أليست هذه صوراً خطيرة للفساد؟
أما في الانتخابات، وهي أسلوب المشاركة الشعبية التي طالما افتخرنا بها أمام إخواننا العرب وفي المحافل الدولية، فقد شهدت فساداً من "أغمق" ألوانه، فتم استخدام المال والعائلة والقبيلة والطائفة على حساب المصلحة العامة والكفاءة، وحتى المتدينون أنفسهم أثرت خلافاتهم وشخوصهم على أهدافهم، كما تأثرت اختياراتهم بهذه الولاءات الصغيرة على حساب الأكفأ، وعلى حساب شعاراتهم في تطبيق الشريعة. وبعض الجماعات السياسية تغير سياستها من شتم النظام والدعوة إلى تغييره بالمظاهرات إلى سياسة الولاء والصفقات وأتباعهم "وراهم وراهم" دون عقل أو محاسبة. أما عن وسائل الاتصال الاجتماعي فحدث ولا حرج، فأشكال الفساد فيها لا تعد ولا تحصى، مثل نشر الكذب على المجتمع بأسره واختلاق الإشاعات، لاسيما المالية والسياسية منها، وتشويه الآخر بأحط الأساليب اللفظية، والنفخ في الطائفية والفخر بالقبلية، وتزيين الباطل والانحرافات السلوكية، واستخدام الشبيحة بالأموال الطائلة للنيل من الخصوم وبخس إنجازاتهم وأعمالهم، وهلم جرا، فالقائمة لا تكاد تنتهي. وفي السياسة ومجلس الأمة رأينا دفاعاً عن الباطل والسرقات، واستجواب وزراء من خيرة الوزراء، والطعن حتى في القضاء، وكذلك توزيع المكاسب المالية على "ناس وناس" باسم الكوادر والقروض، وتكتلات تستخدم الطرح القبلي والطائفي للتكسب الانتخابي، وشهدنا اقتراحات الأنانية في استحواذ الثروة للجيل الحاضر على حساب الأجيال القادمة وحقوقها في العيش الرغيد، وشهدنا الواسطة والمحسوبية في أبشع صورها، وعانينا مشروعات قوانين مدمرة كان ثمن التصدي لها فادحاً شعبوياً. كل هذه صور بشعة ومخيفة للفساد، وهي موجودة دون مبالغة، ويغيب عن كشفها وحربها المصلحون وقادة الرأي إلا القليل منهم، مما يذكرني بقول كنت قد قرأته لأحد السفراء الأميركيين الذين خدموا في الخليج، حيث قال: "متدينون جداً لكن فاسدون جداً".