هل تحد أوروبا الهجرة الإفريقية؟
خلال مؤتمر صحافي في قمة مجموعة الدول العشرين في هامبورغ، أجاب إيمانويل ماكرون على مطالبة صحافي من ساحل العاج بـ"خطة مارشال" إفريقية. جاء رفض ماكرون الحاد والواضح مفاجئاً، كما تجاهل هذه المطالبة بقليل من الاستخفاف، قائلاً: "نحن في الغرب ناقشنا خطط مارشال مماثلة لإفريقيا طوال سنوات، حتى إننا قدمنا سابقاً الكثير من هذه الخطط. إذن، لو كانت المسألة بهذه البساطة، لكانت قد حُلت اليوم".وأضاف أن "التحدي في إفريقيا مختلف وأكثر عمقاً، ويكمن في الحضارة القائمة اليوم، عندما تواجه بلداناً لا تزال كل امرأة فيها تنجب سبعة إلى ثمانية أولاد، تستطيع أن تنفق مليارات الدولارات ولن تحقق أي استقرار".كيف يحدث ذلك؟ كيف يرتكب ماكرون هذا الخطأ المريع غير المقبول؟ لكن ريمي أديكويا سأل في صحيفة "فورن بوليسي": "هل من العنصرية أن نقول إن إفريقيا تعاني مشاكل حضارية؟".
ذكر أديكويا في مقاله: "أوقع الرئيس الفرنسي نفسه في مأزق بإشارته إلى العقبات التي تصطدم بها القارة، لكن كل ما ذكره صحيح"، مضيفاً: "لا تساعد العدائية والإنكار مئات ملايين الأفارقة الفقراء الذين يعيشون العوز، وعدم الاستقرار، والخوف".في السنوات الأربع الأخيرة، دخل نحو 600 ألف شخص من إفريقيا السوداء إيطاليا خلسةً، قادمين من شمال القارة، وفي ظل غياب حكومة فاعلة، تشكّل ليبيا نقطة الانطلاق المفضلة، إلا أن معظم الإيطاليين المشبّعين بتفكير الاتحاد الأوروبي الإيجابي مازالوا يدّعون أنه ما من مشكلة، متفادين بعناد الأفارقة ومناقشة الهجرة على حد سواء، لكن كثيرين من هؤلاء الوافدين الجدد، الذين يحتشدون بأسى في الساحات ومحطات القطار أو يركبون دراجات هوائية هائمين بدون أي وجهة محددة، يبدون تائهين تماما، ومن المستحيل الحصول على معلومات دقيقة عن المخيمات وغيرها من سياسات الحكومة.لكن إيطاليا تأبى مواصلة حمل أعباء الاتحاد الأوروبي، لذلك تلوّح بإصدار تأشيرات مؤقتة إلى الاتحاد الأوروبي لنحو 200 ألف قاطن إفريقي غير مرغوب فيهم في البلد، كذلك هددت النمسا بإقفال معبر برينر، وعلى ذلك فأوروبا الخالية من الحدود ترزح تحت ثقل كبير. تشير صحيفة Il Messaggero في روما إلى أن نحو 4100 مهاجر انتشلوا من البحر في الثاني عشر من يوليو، فقد نسّق خفر السواحل في ذلك اليوم ما مجموعه 20 عملية إنقاذ، وعثر على المهاجرين على متن 12 طوقاً قابلاً للنفخ، وعبارتين، وخمسة مراكب أصغر حجماً.بعد يومين، وصلت سفينة إنقاذ إيطالية تشغلها منظمة "أطباء بلا حدود" إلى ساليرنو حاملة 935 مهاجراً، من بينهم 16 ولداً وسبع حوامل، هذا إذا اعتبرنا أن كلمة "إنقاذ" هي المناسبة. لا تريد روما أن تنتشر على شبكة الإنترنت صور لأفارقة يتخبطون بعجز في البحر الأبيض المتوسط، فقد لقي أكثر من 2300 مهاجر حتفهم في مياه البحر الأبيض المتوسط المركزية هذه السنة.يأتي هؤلاء المهاجرون من نيجيريا، وإرتريا، والسودان، وغامبيا، وساحل العاج، وغينيا، والصومال، ومالي، وغيرها من الدول الإفريقية، معظمهم من المسلمين مع قلة من المسيحيين أو من أتباع المذهب الإحيائي، بالكاد يجيدون القراءة والكتابة أو يملكون مهارات. يأتون من عالم الأكواخ، والأمراض، والمخاطر، من تكتلات فقيرة واسعة تفتقر إلى النظافة أو من قرى لم تصلها الكهرباء، ومن عالم لحوم الأدغال والسحر، حيث تُعتبر حياة الإنسان بخسة جداً.يريد هؤلاء تحسين مستوى معيشتهم في دول الرفاهية في أوروبا، علماً أن هذا الهدف ليس صعباً، وكما يعرف الجميع، بمن فيهم الأمم المتحدة، والبنك الدولي، وماكرون، ومؤسسة الاتحاد الأوروبي، ما زالت تلك الدول الإفريقية تضم مئات الملايين الذين يتوقون إلى الهجرة مع مواصلة عدد سكان إفريقيا التضخم باطراد.لا شك أن ماكرون عبّر عن أفكار محرّمة، ولكن بدل إدانته، يستحق الثناء لاستخدامه هذا المنبر، والاهتمام العام، ومنصبه السياسي ليتحدث بصدق عن تحديات إفريقيا. صار هذا النوع من الصراحة والشجاعة نادراً بين القادة الأوروبيين، مع أننا في أمس الحاجة إليه في هذه المسألة المتفجرة.* غيلبرت سيوال * «أميركان كونسورفاتيف»