يؤدي الموروث الشعبي دوراً كبيراً في تجربتك التشكيلية. ما الذي يغريك في هذا الاتجاه؟

لدينا في ثقافتنا الشعبية وموروثنا منابع ثرية للاستلهام ومدّ المنتج الفني بخصوصية ساحرة، وربما هي نفسها جذبت الأساتذة الأوائل لإيجاد «اتجاه فني قومي» يعبِّر عنا ويميزنا. مشروعي تثوير الموروث وتقديمه مواكباً ومتفاعلاً مع العصر من دون تشويه أو تقليد، وذلك في إطار مشروع الحداثة وارتباطه بالموروث الجمالي، وهدفي الأساسي أن أصنع فناً تتفاعل معه الجماهير.

Ad

دنيا الخيامية

قدّمت معرضين في توقيت متقارب بين القاهرة والإسكندرية هذا العام. هل ترين أن هذا الأمر إيجابي بالنسبة إلى الفنان؟

قدّمت معرضين، الأول في شهر يناير الفائت بقاعة صلاح طاهر بدار الأوبرا بعنوان «هنا عرايس بتترص»، والثاني في متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية بعنوان «دنيا» كاستكمال لتجربة «هنا عرايس بتترص»، ذلك بغرض نقل العرض إلى جمهور جديد خارج القاهرة.

من المؤكد أن من الإيجابي أن نقدِّم فنوناً خارج القاهرة، فالفن التشكيلي ليس حكراً على القاهرة، بل ينبغي علينا أن نحاول مد جسور من التواصل مع الطوائف كافة من الشعب المصري. عليه، أتمنى أن أقدِّم معارضي في محافظات وأقاليم مصر كافة، وليس في القاهرة والإسكندرية فحسب.

لديك ملمح خاص في التعامل مع الخيامية. ماذا عنه؟

الخيامية من وجهة نظري كائن حي يتنفّس يحمل تاريخاً من الأحزان والأفراح والسنين كأي منا، نختّص به دون غيرنا من الشعوب ويرافقنا منذ الولادة ويكون في وداعنا الأخير. ربما كان هذا أول ما جذبني إلى الخيامية. أما على الجانب التقني، فالخيامية ذلك التصميم الكامل الذي لا يمكن كسره، فكان التحدي كيف يمكن التعامل معه لأجمع بينه وبين أشكالي الخاصة، وكان حلّ المعادلة التعامل الاستاطيقي أو الجمالي، فكان الحوار بيني وبين الخيامية أن أضع ما أحب من أشكالي وخصوصيتي لتتغلغل في نسيجها مشكلةً حالة تناغم بين الخيامية وتاريخها وزخارفها وبين أشكالي بما تحمله من خصوصيتي.

«عرائس بتترص»

زاوجت الكلمة بالصورة في معرض «عرايس بتترص». حدثينا عن هذه التجربة ومدى اسقبال المتلقي لها.

في معرض «هنا عرايس بتترص» كانت الفكرة الرئيسة تكامل الفنون بالمزاوجة بين الكلمة والشكل والموسيقى، فكان التعاون بيني وبين شاعر العامية الكبير الأستاذ ماجد يوسف، مع ملاحظة أنه لم يكتب ما رسمته أنا ولا أنا رسمت ما كتبه هو، بل جمعنا المشروع التراثي الواحد والخلفية التراثية المشتركة، كل منا بأدواته: يوسف بالكلمة والنص الشعري، وأنا بالفرشاة والإزميل ومنتجي النحت واللوحة، ولكن يكمل كل منا الآخر. ليست هذه تجربتي الأولى في «تكامل الفنون»، إنما سبق وقمت بتجربة مماثلة مع الشاعر الكبير الأستاذ صلاح الراوي في 2012 في معرض بعنوان «الراوي»، وكان للتجربتين صدى واسع وحصدتا استحساناً من النقاد والجمهور.

لماذا تبدو على غالبية نساء لوحاتك علامات الحيرة والحزن؟

تعبِّر نساء لوحاتي عن حالة المرأة وخصوصيتها، فأياً كان مستواها الاجتماعي أو الاقتصادي أو التعليمي ثمة حالات ومشاعر تجمعها بالنساء، كل منهن تعبر عنها بطريقتها، سواء الفرح أو الحزن. أرسم الأنثى الحالة وليس شخصاً بعينه، وأجمِّد شعوراً مطلقاً داخل لوحتي يستشعره المتلقي من عيني المرأة داخل اللوحة وهي تخاطبه أو تنظر إليه، فعين المرأة مرآة داخلها.

من خلال متابعتك الحركة الفنية، هل ترين ملمحاً للمرأة في الفن التشكيلي أثبتت من خلاله وجودها؟

تشغل المرأة في الفن التشكيلي المصري مكانة مهمة منذ بدايات النهضة الفنية في مصر، وثمة رائدات وفنانات أثرين الحركة التشكيلية وأصبحن رموزاً وعلامات مميزة، على سبيل المثال لا الحصر خديجة رياض رائدة التجريد في مصر بشهادة منير كنعان وفؤاد كامل، وإنجي أفلاطون التي رصدت المجتمع وأحوال السجون في أعمالها ودورها المجتمعي، وتحية حليم، وجاذبية سري، ومارغريت نخلة، وزينب السجيني... وقائمة لا تنتهي من علامات الفن التشكيلي المصري، فضلاً عمن وجدن لأنفسهن مكانة في الساحة اليوم.

لماذا اخترت الفن التشكيلي للتعبير عما يجول في داخلك؟

هذا هو السؤال الصعب، فأنا شخصياً لا أجد له إجابة. أنا قارئة جيدة للأدب والشعر، ومن عشاق الموسيقى على اختلاف أنواعها، كذلك أعشق الفن السابع أو السينما، وأكتب في الفن التشكيلي وفنون الحضارات. ولكن الفن بالنسبة إليّ هو الهواية والمتنفس، ربما لأن الفنان التشكيلي نتاج لكل ما سبق... الحقيقة، أنني لا أملك إجابة غير أني منذ الصغر كان حلمي أن أصبح فنانة تشكيلية فكنت أرسم لوحاتي بالألوان المائية وأعلقها بمشابك على حبال وأقيم معرضي الخاص، وكنت ألقى تشجيعاً كبيراً من أسرتي، فالأساس هنا الأسرة وتقدير ما يحمله الطفل من موهبة وتنميتها.

هل تتبعين عادات أو طقوساً معينة خلال ممارستك الفنية؟

الفن بالنسبة إلي أسلوب حياة، هو المتنفس الذي أجد فيه الحرية والخصوصية في آن. من ثم، لا يحتاج إلى طقوس أو عادة، و«التوال» مثلاً مساحتي من الحرية التي تهبني فناً، وأؤمن بأن بإمكاننا أن نصنع فناً في أية خامة، فالمهم أن نرى الجمال في ما نصادف كل يوم، وهو ما حدث معي في الخيامية وفي عروق الخشب القديم التي أنتجت منها منحوتاتي من العرائس الخشبية.

رفض التصنيف

لا تنتمي سماء يحيى إلى مدرسة فنية معينة، وترى أن المدارس الفنية مهمتها تسهيل الدراسة، وتقول: «لا تشغلني مسألة التصنيف، فمشروعي هو تثوير الموروث وتقديمه مواكباً ومتفاعلاً مع العصر من دون تشويهه أو تقليده، وذلك في إطار مشروع الحداثة وارتباطه بالموروث الجمالي». واستطاعت سماء يحيى أن تضع بصمة خاصة في حركة التشكيل الحديثة بمصر، كواحدة من أبرز المتفاعلين مع الروافد الفنية بجذورها الفرعونية وطقوسها الشعبية، فهي صاحبة تجربة متطورة عبر معارض متتالية، مثل «فرحة» و«هنا عرايس بتترص»، و«دنيا»، وترى أن الفن التشكيلي في مرحلته الراهنة بحاجة إلى الرجوع إلى مشروع مدرسة فنية قومية، وفعلاً ثمة رصيد هائل من المواهب الشابة التي تملك الرؤية، ولديها الدأب والإصرار، لكن ينقصها العمق الثقافي والتمسك بمشروع الأصالة والبعد عن الصراعات والتقاليع الغربية. كذلك ترى أن العالمية ليست عرض لوحات «على جدار الخواجة»، بل هي إغراق في المحلية وتمسّك بالهوية وليست نقلاً عما ينتجه «الخواجة».