علوم التربة لكوكب جائع
سيتطلب تلبية الاحتياجات الغذائية المتزايدة لسكان كوكب الأرض منتجات زراعية وتكنولوجيات وممارسات جديدة لزيادة الإنتاجية، وستكون الحلول المستمدة من البكتيريا المفيدة مفتاحاً لهذه الابتكارات.
وفقا للأمم المتحدة، في عام 2050، سيبلغ عدد سكان العالم عشرة مليارات تقريبا، وهي عتبة من شأنها تعقيد العديد من النظم الأكثر أهمية في العالم، وخاصة الزراعة، كيف سيزيد المزارعون، بمن فيهم المزارعون الفقراء في البلدان النامية، إنتاجية المحاصيل لتلبية الطلب المتزايد على الغذاء؟إن إطعام العالم بكفاءة لن يكون سهلاً، كما أن المواد غير الملموسة مثل تغير المناخ، والصراع العنيف، وتوافر المياه العذبة، سوف تزيد الأمر تعقيداً، وسوف تساعد التقنيات الزراعية الجديدة التي تستخدم البيانات والطائرات بدون طيار لرصد صحة المحاصيل، ولكن إحدى أقوى الوسائل لزيادة الغلة بشكل مستدام ستأتي من الاستفادة مما هو موجود بالفعل في الأرض.وتساعد البكتيريا التي تحدث طبيعيا في التربة على تعزيز صحة المحاصيل وتحسين إنتاج النباتات، ولكن سوء إدارة التربة يمكن أن يؤدي إلى فقدان المحتوى البكتيري، ومن خلال تجديد التربة بواسطة هذه الكائنات المفيدة، يمكن زيادة الإنتاجية الزراعية، دون الاعتماد على مواد مكلفة مثل الأسمدة والمبيدات، مما يساعد على مواجهة التحديات الهائلة المتمثلة في تغذية عدد متزايد من السكان دون إغفال حماية البيئة.
العديد من الشركات المبتدئة تعمل بالفعل لتسخير قوة البكتيريا. على سبيل المثال، تستخدم شركة "أغتيش" التي مقرها بوسطن منتجات بكتيرية تساعد النباتات على تحمل ظروف الجفاف، وفي فلوريدا، تطور شركة باثواي بيولوجيك المنتجات البكتيرية لاستخدامها في جميع أنحاء القطاع الزراعي.وبدأت الشركات الكبيرة، أيضا، في العمل في هذا المجال، فعلى سبيل المثال، تقوم باير سروب سسينسس بتسويق عدد من المنتجات القائمة على البكتيريا، بما في ذلك أحد المنتجات التي يحسن إنتاجها من الذرة بنسبة تصل إلى 15 في المئة، وتقوم العديد من الشركات الأخرى بتطوير منتجات مماثلة يتوقع أن تصل إلى السوق قريبا.كما تشارك الجامعات بنشاط في البحوث المتعلقة بالبكتيريا، ففي جامعة أوبورن، على سبيل المثال، أنا جزء من فريق البحث الذي يختبر آثار بكتيريا التربة على نمو ومرونة النباتات والذرة والقطن، وكما رأيت في عملي، فإن نباتات الذرة التي تُزرع في التربة مع بعض البكتيريا تطور نظم الجذور ثلاثة أضعاف حجم النباتات المزروعة في التربة غير المعالجة، كما رأيت كيف أن هذه البكتيريا تحمي المحاصيل من الجفاف؛ في إحدى التجارب، حجبنا المياه عن مجموعة من النباتات المعالجة بالبكتيريا ومجموعة السيطرة، بعد خمسة أيام بلا مياه، ظلت النباتات المعالجة تقف طويلة القامة وقوية، في حين ذبلت النباتات غير المعالجة.وأحد الأسباب الرئيسية التي تجعل المزارعين يجدون المنتجات البكتيرية جذابة هي أنها تصاغ من كائنات حية، ولا تحمل نفس المخاطر التي تتعرض لها المواد الكيميائية الاصطناعية، وتبلغ القيمة السوقية الحالية لهذه المنتجات 2.3 مليار دولار، ومن المتوقع أن ينمو السوق إلى 5 مليارات دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة.ومن الصعب المبالغة في التأكيد على فوائد معالجة التربة البكتيرية للإنتاجية الزراعية، ولاسيما في العالم النامي، حيث زيادة غلة المحاصيل هي مسألة بقاء للمزارعين الصغار، وينطبق ذلك بصفة خاصة على المزارعين في إفريقيا. واليوم، فإن نحو 65 في المئة من التربة الزراعية في إفريقيا متدهورة، حيث تفتقر إلى المغذيات والحياة البكتيرية لدعم صحة النباتات، وينفق المزارعون الأفارقة 68 مليار دولار سنويا لعكس مسار هذه الانخفاضات، ومعظمها من خلال تطبيق الأسمدة الكيماوية. ومن ثم يمكن للحلول القائمة على الميكروبات أن تساعد على تحسين نوعية التربة على نحو أكثر استدامة من الوسائل التقليدية، مما يمكن المزارعين الأفارقة من زراعة المحاصيل اللازمة لإطعام سكان القارة.غير أن الأبحاث المتعلقة بالبكتيريا في التربة الإفريقية لا تزال محدودة، حيث يجري تطوير معظم هذه الحلول لصالح الأسواق الغربية، وينبغي أن يتغير ذلك. ومن شأن المزيد من الاستثمارات أن تمكن العلماء من اكتشاف سلالات بكتيرية جديدة ذات قدرات فريدة للتأثير على صحة التربة والمحاصيل محليا، وبالتالي الاستفادة من البيئة الطبيعية لإفريقيا لتحسين الإنتاجية الزراعية.كما أن زيادة الاستثمار في بحوث التربة يمكن أن تكون لها فوائد غير مباشرة للاقتصادات الإفريقية، ومع الاكتشافات الجديدة المؤدية إلى البراءات والتراخيص، يمكن أن يؤدي البحث الناتج إلى نشوء صناعات زراعية جديدة وصناعات مرتبطة بالمزارع.ويمكنني أن أشير شخصياً إلى قوة الفوائد غير المباشرة لهذا النوع من البحوث، وأدى عملي الخاص ببكتيريا التربة في أوبورن إلى إصدار ثلاث براءات اختراع أميركية، مع العديد من الشركات الزراعية التي تتابع حقوق تسويق المنتجات من التكنولوجيا. وقد قُدمت طلبات براءات إضافية من أبحاثي في بلدان أخرى، بما في ذلك الأرجنتين وبوليفيا وباراغواي وأوروغواي وفنزويلا. وبمجرد إصدارها، يمكن للتكنولوجيات التي تم تطويرها من هذه البراءات أن تفيد ملايين المزارعين وتؤدي إلى منتجات تجارية تُولد مصادر دخل جديدة مربحة.وسيتطلب تلبية الاحتياجات الغذائية المتزايدة للسكان في كوكبنا منتجات زراعية وتكنولوجيات وممارسات جديدة لزيادة الإنتاجية، وستكون الحلول المستمدة من البكتيريا المفيدة مفتاحاً لهذه الابتكارات، وبالنسبة للعلماء الزراعيين مثلي، لا توجد قضية تواجه الأجيال المقبلة أكثر أهمية من الأمن الغذائي. والخبر السار هو أننا، عندما نبحث عن طرق جديدة لدفع النباتات إلى بذل المزيد من الجهد، فإن التكنولوجيات الواعدة طبيعية، وتوجد في الأرض تحت أقدامنا، في انتظار اكتشافها فقط.* إستر نغومبي * باحثة ما بعد الدكتوراه في جامعة أوبورن بولاية آلاباما، وأستاذة علم الزراعة بمعهد كلينتون العالمي لسنة 2017، وزميلة في الأمن الغذائي بمعهد أسبن عام 2015. «بروجيكت سينديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»
نباتات الذرة التي تُزرع في التربة مع بعض البكتيريا تطور نظم جذورها ثلاثة أضعاف حجم المزروعة في التربة غير المعالجة
65% من التربة الزراعية في إفريقيا متدهورة وتفتقر إلى المغذيات والحياة البكتيرية لدعم صحة النباتات
65% من التربة الزراعية في إفريقيا متدهورة وتفتقر إلى المغذيات والحياة البكتيرية لدعم صحة النباتات