لم يهدأ عالمنا العربي يوماً، ولم يهنأ يوماً، دون خلاف أو نزاع يشتعل بوقود الشك وتغذي ناره المناوشات الإعلامية. ولو تخيلت أخي القارئ نفسك في إحدى العواصم العربية خلال فترة الخمسينيات، وبيدك صحيفة يومية، لوجدت المقالات الرئيسية تتناول حالة الاصطدام الفكري المستمر الذي عاشته وعايشته الدول مع الاتجاه الاستعماري السائد آنذاك، أما المانشيت فستجده حول مصر ومواجهتها العدوان الثلاثي عام 1956، والذي خرجت منه لتجد نفسها بعد فترة قليلة في حالة اندماج مع سورية، وما إن أكملت عامين حتى فشل الاتحاد، أما فترة الستينيات فقد كان للانتكاسة عام 1967 الأثر النفسي السلبي والتشاؤمي على الساحة العربية خلالها.
بعدها أصبحت عواصم المواجهة طرفاً في حرب أكتوبر 1973 لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من العمل العربي الموحد. ورغم استنزافها للموارد الاقتصادية والبشرية فإنها فتحت المجال للدول الخليجية لتصبح ضمن دائرة المساعدات للدول العربية، وقد أخذت على عاتقها ضرورة إنشاء تجمع إقليمي خاص بها، فانطلقت فكرة تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية ببداية الثمانينيات... فكيف واجهت منظماتنا الإقليمية مرارة الاختلاف والانشقاق؟ جهاز جامعة الدول العربية لم يهنأ بالاستقرار، فقد أصابته مرارة الانشقاق بعد توقيع مصر اتفاق السلام مع إسرائيل، وقرار أغلب الدول مقاطعتها، الأمر الذي أدى إلى انتقال مقر الجامعة العربية من دولة إلى أخرى لترميم ما تبقى من علاقات بين الدول العربية، وعندما تعرضت الكويت للغزو عادت مصر إلى الواجهة العربية محتضنة مقر الجامعة من جديد، أما على الصعيد الشخصي فطبقاً للكاتب المعروف حسنين هيكل، فقد عاتب الملك فيصل ملك المملكة العربية السعودية عبد الناصر قبل مؤتمر الرباط حرصاً على حماية الشأن المحلي للمملكة، فتعهد عبد الناصر بمحاكمة كل من يحاول مضايقة المملكة وزعزعة أمنها، فهل سيأتي اليوم الذي يواجه فيه قادة دول الخليج بعضهم بعضاً بكل صراحة؟ وهل تعتقد أخي القارئ أن التعهد اللفظي كفيل بإنهاء الأزمة؟ لا نملك إلا التفاؤل بجهود الكويت ووساطتها، ولعل في اتفاق الملك فيصل وجمال عبد الناصر عبرة، فالأول أبدى مخاوفه، والثاني تعهد والتزم بعهده، وسيبقى القصد واحداً وإن اختلف التعبير... وللحديث بقية.
مقالات
القصد واحد وإن اختلف التعبير
09-08-2017