في مؤتمر صحافي عُقِد في إطار قمة مجموعة العشرين في هامبورغ الشهر الفائت، سأل صحافي من ساحل العاج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: لماذا لم تضع دول العالَم الغنية خطة لمساعدة إفريقيا في التغلب على مشاكلها، كما ساعدت خطة مارشال الأميركية أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.

وجاء رد ماكرون مطولا، وكان قدر كبير من ذلك الرد منطقيا؛ فقد أشار إلى أن إفريقيا، خلافا لأوروبا بعد الحرب، لا تحتاج إلى إعادة البناء؛ بل تتطلب مشكلاتها استجابات أكثر تعقيدا وتطورا، كما أشار إلى الدول الفاشلة في إفريقيا والتحولات الصعبة إلى الديمقراطية، ولكنه ذَكَر أيضا أن بعض الدول الإفريقية تحرز تقدما طيبا، وحققت معدلات عالية من النمو الاقتصادي.

Ad

بيد أن ماكرون تحدث أيضا عن أمرين تسببا في إشعال الغضب في وسائل الإعلام الاجتماعية وإطلاق الاتهامات بالعنصرية.

في وصفه مشاكل إفريقيا، قال ماكرون إنها مشاكل "حضارية"، وكان ذلك، في أفضل تقدير، اختياراً مؤسفاً للكلمات، لأنه يردد أصداء فكرة من القرن التاسع عشر مفادها أن فرنسا وغيرها من القوى الإمبراطورية الاستعمارية لديها "مهمة حضارية" في إفريقيا وأماكن أخرى مأهولة بأجناس من البشر، كانت في ذلك الوقت تعتبر من عِرق أدنى درجة.

وكما أشار معلقون آخرون، كان تفسير ماكرون "الحضاري" أيضا من ذلك النوع من التعميم الذي يفشل في إدراك وجود أكثر من خمسين دولة تواجه مشاكل متنوعة لا يمكن وصفها بنعت واحد، وتحرياً للإنصاف مع ماكرون، ينبغي لنا أن نذكر أن الصحافي من ساحل العاج صاغ سؤاله بطريقة استدعت ذلك النهج العريض الذي يفتقر إلى التمييز في الرد.

وكان التعليق الثاني الذي استفز استجابة عدوانية متمثلاً في الإشارة إلى النمو السكاني السريع في إفريقيا؛ فقال ماكرون: "حتى إذا أنفقت مليارات اليورو، فلن تتمكن من تثبيت استقرار أي شيء ما دامت النساء في بعض الدول تنجب سبعة وثمانية أطفال لكل امرأة".

بهذه الكلمات، أعطى ماكرون انطباعا مبالغا فيه للخصوبة (معدل المواليد) في إفريقيا، فوفقاً لطبعة عام 2017 من نشرة الأمم المتحدة بعنوان "التوقعات السكانية للعالَم"، لا يوجد بلد في أي مكان في العالَم تلد النساء فيه في المتوسط ثمانية أطفال. وتُعَد النيجر، وهي واحدة من أفقر دول العالَم، وتقع على حافة الصحراء الكبرى في إفريقيا، الدولة الوحيدة التي تلد النساء فيها في المتوسط أكثر من سبعة أطفال، وتأتي الصومال في المركز الثاني، حيث المتوسط 6.6، وفي إفريقيا ككل، يبلغ معدل الخصوبة الحالي 4.7.

ولكن يبدو أن الغضب الذي أثاره تعليق ماكرون لا يرتبط كثيرا بعدم تحريه الدقة، فقد انتهك ماكرون محظوراً ظل قائما منذ المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، الذي عُقِد تحت رعاية الأمم المتحدة في القاهرة عام 1994. تبنى المؤتمر برنامج عمل رفض نهجا يتعامل مع السياسات السكانية من منطلق دوافع ديموغرافية، وركز بدلاً من ذلك على تلبية احتياجات الصحة الإنجابية للأفراد، وخاصة النساء، أي أن المؤتمر استبعد الأهداف السكانية، ورَكَّز على الحقوق.

وظَلّ ذلك النهج سائداً في عدة اجتماعات لاحقة، وقد أثَّر على نتائج قمة الألفية التي حددت أهداف التنمية العالمية للفترة 2000-2015، كما ينعكس في أهداف التنمية المستدامة، التي تحدد الأجندة حتى عام 2030. فبين غاياتها السبع عشرة، وأهدافها المحددة التي يبلغ عددها 169 هدفا، تتضمن أهداف التنمية المستدامة إشارات إلى تنظيم الأسرة، والحقوق الإنجابية، في سياق صحة المرأة والمساواة بين الجنسين. ويبحث المرء دون جدوى عن أي اقتراح مفاده أنه ربما يكون من الملائم أو من الحكمة السعي إلى التأثير على عدد الأطفال الذين قد تنجبهم المرأة باختيارها، ناهيك عن النظر فيما إذا كان استمرار النمو السكاني السريع في بعض المناطق ربما لا يتفق مع هدف التنمية المستدامة. ومنذ مؤتمر القاهرة، جرى تصوير هذه المقترحات على أنها استعمارية إن لم تكن عنصرية، فلا ينبغي للرجال من ذوي البشرة البيضاء أن يأمروا النساء من ذوات البشرة السوداء بعدم إنجاب أطفال.

من المؤكد أن الأمر لا يخلو من سوابق تاريخية، كبرامج التعقيم الجماعي في الهند، وسياسة الطفل الواحد في الصين، ومع ذلك، نحن نشكك في الحكمة من الحظر المفروض على مناقشة مسألة السكان، فوفقاً لنشرة التوقعات السكانية للعالم، من المتوقع أن يزداد عدد سكان أنغولا، وبوروندي، والنيجر، والصومال، وجمهورية تنزانيا المتحدة، وزامبيا، إلى خمسة أمثاله اليوم بحلول عام 2100؛ فالنيجر التي يبلغ عدد سكانها اليوم 21 مليون نسمة، من المتوقع أن يكون عدد سكانها 192 مليون نسمة بحلول نهاية القرن.

ومن المرجح أن يؤدي هذا النمو السكاني السريع إلى تفاقم الصعوبات التي تواجهها هذه البلدان عندما يتعلق الأمر بجهود القضاء على الفقر، وسوء التغذية، وضمان حصول كل المواطنين على تعليم جيد ورعاية صحية أساسية، ومن المرجح أن يكون تأثير الفقر وسوء التغذية ونقص التعليم على الفتيات والنساء اليوم أعظم كثيرا من تأثير السياسات السكانية القسرية، والواقع أن الجهود الحالية الرامية إلى تزويد النساء بوسائل منع الحمل الفعّالة تتفق مع رغبة النساء المعلنة في إنجاب عدد أقل من الأطفال.

لابد أن نعترف بأننا لا نعلم ماذا قد يظهر من تكنولوجيات أو مؤسسات اجتماعية جديدة ربما تعمل بحلول عام 2100 على تمكين حتى الدول الأقل تقدماً من تقديم مستويات معيشية لائقة لكل سكانها، ولكن ماكرون لم يجانبه الصواب عندما اقترح أن مسألة الزيادة السكانية السريعة وثيقة الصِلة بالتساؤلات حول مدى كفاءة الجهود المتضافرة المنسقة الرامية إلى التغلب على الفقر في إفريقيا.

* بيتر سنجر

* فرانسيس كيسلينغ

* الأول أستاذ أخلاق الطب الحيوي في جامعة برينستون، وأستاذ فخري في جامعة ملبورن، أما كيسلينغ فهي رئيسة مركز الصحة، والأخلاق، والسياسات الاجتماعية.

«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»