تنزلق فنزويلا شيئاً فشيئاً صوب مرحلة أكثر اضطراباً، بعد أن نهبت قوات مناهضة للرئيس اليساري نيكولاس مادورو، أسلحة، خلال الهجوم على قاعدة باراماكاي في فالنسيا، ثالث كبرى مدن البلاد يوم الأحد وسط مشاعر إحباط، مما يرى البعض أنها قيادة عقيمة للمعارضة.

وأصبح كثيرون من المواطنين في فنزويلا يشعرون باستنفاد كل الخيارات الديمقراطية في معارضة الحكومة، بعد تشكيل جمعية تأسيسية جديدة تتمتع بسلطات واسعة، تحت قيادة الموالين للحزب الاشتراكي بزعامة مادورو، وذلك رغم احتجاجات جماهيرية واسعة وانتقادات دولية.

Ad

وربما ساعد ذلك الجو العام في دفع جنود ومدنيين مسلحين لمهاجمة القاعدة، هجوما قالت الحكومة إنه أسفر عن مقتل شخصين، وإنها تبحث عن عشرة هربوا بكمية من الأسلحة، وظهروا في مقطع فيديو يرتدون زياً عسكرياً، يؤكدون فيه السعي لإعادة النظام الدستوري، ودعوا مادورو للتنحي كي تتولى الحكم حكومة انتقالية.

وأثار الهجوم إمكانية حدوث انقلاب أو تصاعد العنف، الذي بلغ مستويات خطيرة في بلد يبلغ عدد سكانه 30 مليون نسمة، ويزداد غوصاً في الأزمة الاقتصادية والفوضى والاضطرابات، التي خلفت أكثر من 120 قتيلاً وآلاف المعتقلين خلال أربعة أشهر.

وحتى قبل الهجوم، دفع تشديد مادورو لقبضته على السلطة كثيرين من المحتجين للشعور بخيبة الأمل، ممن يرون أنه ائتلاف معارض تسوده الخلافات ولا يفكر إلا في مصالحه.

باب الصراع

ووفق محللين، فإن القمع الحكومي يهدد بدفع المتشددين في حركة الاحتجاج إلى العمل السري وتشكيل جماعات شبه عسكرية، في بلد ينتشر فيه السلاح، محذرين من خطر نشوب حرب أهلية متدنية الشدة، ما لم تتغير الأوضاع في فنزويلا.

وفيما قد يكون مقدمة لاتباع المحتجين أساليب أكثر عنفاً تسبب انفجار في إصابة سبعة من رجال الشرطة على دراجات نارية خلال انتخابات الجمعية الوطنية في 30 يوليو.

وقد قال مادورو إنه يواجه "عصيانا مسلحا" يهدف للقضاء على الاشتراكية في أميركا اللاتينية والسماح لنخبة قطاع الأعمال المدعومة من الولايات المتحدة بوضع يدها على احتياطيات النفط الهائلة في فنزويلا.

وقوع انقلاب

وعلى السطح على الأقل يبدو بعيدا احتمال وقوع انقلاب عسكري للإطاحة بالرئيس زعيم الاتحادات العمالية السابق، الذي انتخب بفارق بسيط عام 2013، بعد أن وقع عليه اختيار الرئيس السابق هوغو تشافيز لخلافته، فلم تظهر على السطح أي بوادر على وجود خلاف بين مادورو وقيادة الجيش التي تؤيده في العلن.

غير أن الضابط السابق بالحرس الوطني والهارب خوان كارلوس كاغواريبانو، الذي قيل إنه قاد الغارة على القاعدة العسكرية، دعا "أشقاء السلاح" لعصيان أوامر قادة الجيش.

كما قال طيار الشرطة المنشق أوسكار بيريز، الذي هاجم مباني حكومية بطائرة هليكوبتر في كراكاس في يونيو، إنه سيواصل الكفاح خلال هروبه.

وبحسب السلطات، فإن الملازم جيفرسون غبريال غارسيا تواطأ مع المهاجمين من الداخل، فهو كان مسؤولاً عن المخزن الذي سرقت منه الأسلحة.

وأكد الضابط المتواري عن الانظار الكابتن خافيير نييتو كوينتيرو أنه شارك في التحرك العسكري، متحدثاً لوكالة "فرانس برس"، أن كاغواريبانو "وطني، هو جندي قبل أي شيء، ورجل مبادئ".

وحدة الجيش

وفي حين، واصلت المعارضة ضغوطها بقطع الطرقات أمس، في أنحاء البلاد مدة ست ساعات، تسعى سلطات فنزويلا إلى التأكيد على "وحدة" الجيش.

وأعلن وزير الدفاع وقائد القوات المسلحة الجنرال فلاديمير بادرينو لوبيز أن الجيش يقوم بعملية من أجل القبض على كاغواريبانو وغارسيا المتهمين بالوقوف خلف الهجوم على قاعدة باراماكاي.

وفي شريط فيديو ظهر فيه محاطاً بثلاث دبابات وعربة مصفحة وجنود بأسلحتهم، قال بادرينو: "ثقوا أنه بوسعنا الاعتماد على قوة مسلحة وطنية بوليفارية موحدة، معنوياتها بأعلى مستوى"، نافياً أن يكون الأمر "تمرداً عسكرياً".

وشدد بادرينو على أن المهاجمين "أعداء الأمة ومرتزقة يتلقون أموالاً من ميامي، من مجموعات يمينية متطرفة"، مؤكداً أنهم نجحوا في تحقيق هدفهم وهو الاستيلاء على "ما بين 98 و102 بندقية من طراز 156 وإيه كاي-47".

هجوم إلكتروني

على صعيد متصل، تعرضت المواقع الإلكترونية للحكومة والمحكمة العليا والبرلمان وغيرها من الهيئات الرسمية أمس الأول لهجوم إلكتروني، وأعلنت مجموعة من القراصنة مسؤوليتها عن العملية، داعية للنزول إلى الشارع ودعم العسكريين الذين هاجموا القاعدة.

بدوره، أعلن البرلمان أمس الأول أن أعضاء في الجمعية التأسيسية بينهم رئيستها دلسي رودريغيز اقتحموا المقر الذي يجتمع فيه عادة وخلعوا بابه بمساعدة عسكريين.

ووسط إدانات دولية لسياسة التسلط، عقد وزراء خارجية 14 دولة من أميركا الجنوبية اجتماعاً، أمس، لمناقشة الأزمة في فنزويلا. وحذر رئيس كولومبيا خوان مانويل سانتوس من احتمال حصول قطيعة دبلوماسية.

استخدام القوة

إلى ذلك، نددت الامم المتحدة أمس بـ"الاستخدام المفرط للقوة" في فنزويلا، محملة قوات الأمن مسؤولية مقتل 46 متظاهراً مناهضاً للحكومة على الاقل.

ومع رفض السلطات السماح لمحققي الأمم المتحدة بالدخول، كلف المفوض السامي لحقوق الانسان زيد رعد الحسين فريقاً من خبراء حقوق الإنسان أن يقابلوا عن بعد نحو 135 ضحية وعائلاتهم، فضلا عن شهود وصحافيين ومحامين وأطباء وأعضاء في مكتب المدعية العامة.

عقوبات جديدة

وفي واشنطن، تجهز إدارة الرئيس دونالد ترامب عقوبات على مجموعة أخرى من المسؤولين الفنزويليين على صلة بمادورو، رداً على تشكيل الهيئة التأسيسية، تعلن خلال أيام وتشمل تجميد أرصدة في الولايات المتحدة وحظر سفر ومنع التعامل التجاري.

وفي وقت سابق، حذر الاتحاد الأوروبي من أن محاولة مادورو إعادة صياغة الدستور والإطاحة بالنائبة العامة قد يؤديان إلى زيادة "إضعاف احتمالات العودة السلمية إلى النظام الديمقراطي".