«ليليت السورية»!
ضمن أعمال الدورة العاشرة لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي (25 – 31 يوليو 2017) شاهدت العرض الأول للفيلم الروائي السوري الطويل «ليليت السورية» (120 دقيقة / 2017) المأخوذ عن رواية «تحت سرة القمر» للكاتبة جهينة العوام، التي شاركت في كتابة سيناريو الفيلم مع مخرجه غسان شميط. وضع الفيلم الأزمة السورية الراهنة في خلفية الأحداث، واختار أن يكون اجتماعياً، وربما نسوياً، يُركز على دور المرأة السورية، ويُعلي من شأن بطولاتها ونضالها، واعتزازها بذاتها، كذلك استهدف الربط بين هذه البطولة وصمود المرأة السورية في مواجهة هموم الحياة اليومية، والظرف السياسي الراهن. ولكنه، ولسبب غامض، وغير مبرر، وقع في خطأ فادح، عندما سعى إلى تبرير اختيار اسم «ليليت السورية» بالقول إنه يُشير إلى المرأة القوية، والمتمردة، الراغبة في التحرّر من سطوة الرجل، والطامحة إلى الاستقلالية، وبقية الصفات التي تنطبق على المرأة السورية، التي ضحّت، وتحمّلت، وناضلت، وواجهت، الأزمة العصيبة الراهنة، مثلها مثل الرجل السوري. وفي محاولة لتأكيد هذا المعنى أورد الفيلم على لسان بطلته جملة حوار تؤكد فيها أن «ليليت» هي الزوجة الأولى لآدم، التي خلقها الله من نفس طينته، لتؤنسه في وحدته، لكنها، وكانت خارقة الجمال، لم ترض بالخضوع له، أو يُمارس عليها سطوته، بل أرادت أن تكون شريكته، ومساوية له في كل شيء، لكنها فشلت، وتمردت، وهربت، وعوضه الله بـ «حواء»، التي خلقها من ضلع آدم، لتصبح الزوجة المطيعة الخانعة!حوار مُريب، ومُراهق، وشائك، خصوصاً لو علمنا أنها محض خرافات وأقاصيص مستقاة من الأساطير العبرية، التي تروِّج لحكاية كهذه، فيما أجمعت أساطير أخرى كثيرة أن «ليليت» روح شيطانية مرتبطة بالرياح والعواصف، ويُعتُقِد أنها تحمل المرض والموت، وعُرفت باسم «ليليتو» بالأكادية، و{ليل» بالعربية، و{ليليت» في المعارف اليهودية، التي تنظر إليها باعتبارها «شيطان الليل»، و{بومة نائحة»، كما جاء في طبعة الكتاب المقدس، بينما اجتمعت الأساطير كافة على أنها تعني الظلام أو المخلوقة الأنثوية الليلية!
مفاجأة مثيرة تدفعنا إلى سؤال الكاتبة جهينة العوام عن السر وراء موافقتها على الاستغناء عن عنوان قصتها «تحت سرة القمر»، وإطلاق هذا الاسم تحديداً على الفيلم، الذي شاركت في كتابته؟ بل كيف فات عليها، وهي الكاتبة المثقفة، أن يتم اختيار هذا الاسم في حين ثمة أسماء عدة تُمجد دور المرأة، وتنصفها، حتى لو أدى الأمر إلى اختيار اسم بطلة الفيلم «سناء»، التي أصيب زوجها «نبيل» إثر تفخيخ سيارته، ورغم دكتاتوريته، ومجونه، ومعاملته السيئة لها أيام عنفوانه (هو واحد من المحسوبين على النظام)، فإنها تقف إلى جواره، ولا تتردّد في تمريضه، فيما ترعى ابنتيها المراهقتين «حنين» و{جوري»، ووالديها المسنين، وتنظر بعين الإعجاب إلى شقيقها «أحمد»، الذي تزوج «ليزا» الأوروبية، وتتسم آراؤه وسلوكياته بالاستنارة، على عكس والدها «الطاغية»، ولهذا تُصاب بصدمة، وتكاد تفقد اتزانها، بعد تعرض شقيقها للاختطاف، والتعذيب، من جماعة إرهابية، بعدما تسببت الأزمة التي تمرّ بها البلاد في تعطيل سفره إلى زوجته!لغز يستعصى على الفهم، خصوصاً أن الفيلم، الذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما في سورية، لم يركز على الأزمة السورية برمتها وإنما جعلها تُلقي بظلالها على الأحداث، فالفيلم يبدأ بمنظر عام للمدينة يتصاعد منها الدخان، لكن تظلّ الحرب في الخلفية، والدمار يُطل برأسه، عبر قنبلة تنفجر هنا، أو تدمير يدك بناية هناك.لا وجود للمعارك الحربية على الشاشة، لكن ثمة معارك أخرى تعتمل في نفوس الشخصيات، بسبب المآسي التي يتعرض لها الوطن، كالهجرة القسرية، والنزوح الإجباري، والقتل المجاني، وما تركته من انعكاسات نفسية مُدمرة، لم ينج منها أحد!سعى الفيلم إلى بث روح التفاؤل، مؤكداً أن عجلة الحياة في سورية لم تتوقف، ولغة المشاعر لم تتعطل، ومساحة الحب لم تختف أو تنعدم، بعدما استعادت «سناء» ذاتها، بعد وفاة زوجها، واعتمدت على نفسها، ونجحت في تأمين استقرارها الاقتصادي، واستقلالها النفسي والاجتماعي، وجعلت من المطعم الشعبي، الذي تملكه، ملتقى للأحبة، من الطوائف والأطياف كافة، ودعوة إلى المحبة، بين أبناء الوطن الذين يجمعهم نسيج واحد، ورسالة ذات مغزى بأن الأزمة إلى زوال، فما الحاجة إذاً إلى الزج بأسطورة «ليليت»؟ ولماذا الأسطورة العبرية على وجه التحديد؟!