فور عودته من زيارة مفاجئة للرياض، مطلع الشهر الجاري، فوجئ رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر بالشرح الذي قدمه مستشاروه لقانون الانتخابات الجديد في العراق، إذ صُمم لمصلحة تكتل نوري المالكي، رئيس الحكومة السابق، بحسب هؤلاء، فدعا إلى تظاهرة حاشدة في عموم البلاد، «منعاً لعودة الدكتاتور»، وهو الوصف الذي يستخدمه لغريمه منذ أعوام.

ويرجح أن يحشد المالكي أكبر قائمة انتخابية لحصد أصوات متشددي الشيعة، ومؤيدي الفصائل المسلحة وإيران، بينما يبقى أنصار المرجعية الدينية في النجف ينافسون على أصوات الجمهور المعتدل (50 في المئة مقابل 50 في المئة في العادة). ويعتقد الصدر هذه المرة أن بإمكان «الأقلية العلمانية»، في المناطق الشيعية، ترجيح كفة معارضي نوري المالكي، خاصة أن التيار الصدري تحالف مع العلمانيين والشيوعيين، منذ تظاهرات 2015، وتطور التنسيق بين الطرفين بنحو واضح أثار جدلاً واسعاً في العراق، وأصبح هذا المسار أساسياً في دعم إصلاحات بطيئة، تقوم بها حكومة حيدر العبادي التي يحاول المالكي إضعافها.

Ad

ومع كل دورة انتخابية يشرّع البرلمان العراقي قانوناً تعارضه الأحزاب العلمانية، إذ يصمم لمصلحة الأحزاب الكبيرة، ذات الجمهور الأوسع، ويبدد أصوات الاحزاب الأخرى التي يعزف جمهورها عن المشاركة في الاقتراع، وتعجز عن حشد كتلة تصويتية كبيرة.

لكن العلمانيين حصلوا هذه المرة على حليف قوي، يتمثل بالصدر، بات مقتنعاً بتعديل اللعبة الانتخابية، بحيث تسمح بصعود كتلة علمانية، ولو صغيرة، في الحكومات المحلية، وفي البرلمان الاتحادي، وطلب تغيير ما يعرف بالقاسم الانتخابي المستعار من تجربة إسكندنافية نادرة في العالم، من 1.9 إلى 1.4، كي يحفظ الأصوات القليلة التي يحصل عليها مرشحو اليسار والليبراليين، إلا أن التظاهرات الحاشدة يوم الجمعة لم تنجح في زحزحة موقف الأغلبية الإسلامية إلا بمقدار درجتين، وهو ما لا يحقق فرقاً.

وبينما لوح الصدر لمقربين منه بإمكانية أن يقدم على اقتحام البرلمان مجدداً، كما فعل ذلك العام الماضي، حين نجح في إرغام النواب على قبول إصلاحات العبادي وإدخال بضعة وزراء تكنوقراط غير حزبيين في تشكيلة الحكومة، طلب منه حلفاؤه عدم التصعيد، لأن فصائل الحشد الشعبي المتحالفة مع المالكي «مستفزة ومستعدة لاستخدام السلاح»، في سبيل طموحها السياسي ورغبتها في دخول البرلمان، وأخذ حصة من الحكومة.

وهاجمت وسائل الإعلام المقربة من الفصائل، زيارة مقتدى الصدر للرياض، وتحالفه مع اليسار والليبراليين، ووصفت رجل الدين أحياناً بأنه «عميل لأنظمة الخليج»، بينما بادر قادة بارزون في حزب الدعوة بوصف العلمانيين بأنهم «عملاء فكريون» للثقافة الغربية، في نقد غير مباشر لتعاون الصدر معهم.

ولم يحصل رجل الدين الشيعي على تأييد من الأحزاب الكردية المشغولة بمسألة الاستفتاء على حق تقرير المصير، ولا من حليفه التقليدي عمار الحكيم المشغول بانشقاقه عن حزب عائلته، إلا أن أحزاباً سنية، إلى جانب أياد علاوي رئيس الحكومة الأسبق، وأبرز علماني نجح في تحقيق مكاسب انتخابية شبه ثابتة، أيدوا دعوات الصدر إلى تعديل قانون الانتخابات.

وتشهد البلاد مواجهة واضحة بين أنصار الدولة وسيادتها، وأنصار الحشد الشعبي والفصائل المقربة من طهران، مما يجعل سباق الانتخابات محفوفاً بالمخاطر لأول مرة منذ إجراء أول اقتراع مطلع 2005.