يحب الرئيس دونالد ترامب أن يتباهى بالأداء القياسي الذي حققته أسواق الأسهم. وبعد تقارير تحدثت عن مشاكل في البيت الأبيض في أواخر شهر يوليو الماضي كتب ترامب على مواقع التواصل الاجتماعي قائلا، إن "الأمور تسير بشكل حسن واستشهد على ذلك بأعلى مستويات أداء في سوق الأسهم على الإطلاق"، و"أفضل الأرقام الاقتصادية طوال سنوات".

وكان ترامب محقاً بالنسبة إلى وول ستريت – فقد ارتفع مؤشر داو جونز الصناعي ليحطم الرقم القياسي عند 22000 في الأسبوع الماضي، وكانت تلك الحصيلة الأخيرة في سلسلة السجلات التي شهدها السوق في هذه السنة. ولكن الاقتصاديين يقولون بوجود المزيد حول حالة سوق الأسهم أكثر مما يتعلق بمن هو الرئيس الأميركي.

Ad

ويقول البعض إن رئاسة ترامب كانت اختباراً جيداً حول مدى تأثير اجراءات الرئيس. وقال مارك غيرتلر وهو بروفيسور اقتصاد في جامعة نيويورك "توجد اتجاهات معينة تنشأ وربما أن الاقتصاديين يقللون من قوة هذه الاتجاهات. وربما كانت هناك ردة فعل مبالغة قليلاً ازاء الشكوك التي ستحدثها الانتخابات".

وفي ما يلي خمسة عوامل تكمن وراء الارتفاعات التي شهدتها أسواق الأسهم:

الاقتصاد الأميركي يستمر قوياً بالنسبة الى غيرتلر كانت "حصة الأسد" في النتائج الإيجابية لسوق الأسهم نتيجة الاتجاهات الاقتصادية المستمرة والمتجذرة في التعافي من الركود. ومع بلوغ معدلات البطالة أدنى مستوياتها في 16 سنة عند 4.3 في المئة، واستمرار قوة الأسواق الخارجية، حصل سوق الأسهم على قدر من الحصانة ازاء المعدل المتدني من التغير المالي الصادر عن واشنطن.

ويشير ستيف تشيافارون، وهو مدير محفظة لدى فدرال انفستورز، بشكل خاص الى أرباح قوية تحققت في الأشهر الستة الماضية – وكانت الأعلى في نمو السهم الذي شهدته البلاد منذ سنة 2011 كبرهان على وجهة نظره.

وقال "يستطيع السوق تحمل الانتظار عندما تنمو الأرباح عند ذلك المستوى. وكل تلك الأرباح جاءت حقاً من دون مساعدة السياسة المالية على الاطلاق، وعلى الرغم من أنه لايزال على ترامب الوفاء بوعوده الاقتصادية مثل خفض الضرائب فإن السوق في وضع قوي".

وذكر سام ستوفال، وهو كبير استراتيجيي الاستثمار في شركة البحوث سي اف آر إيه CFRA "أي شيء يمكن أن يقوم به ترامب هو اضفاء نكهة على الكعكة، ولكن الكعكة جيدة المذاق في الأساس".

الجمهوريون يسيطرون على الكونغرس والبيت الأبيض يقول بعض الاقتصاديين إن الحقيقة المتمثلة في سيطرة حزب واحد على البيت الأبيض ومجلسي الكونغرس قد ساعدت أيضاً على تحسين سوق الأسهم، نظراً لأن العديد من المستثمرين يعتقدون أن ذلك سيفضي الى قدر أقل من التعطيل.

وقال تشيافارون "استيقظ السوق في اليوم الذي أعقب الانتخابات وقد سادته اثارة سارة لوجود حكومة مكونة كلها من الجمهوريين"، وبدا أن الانتخابات تؤشر الى وصول "حكومة موحدة يمكن أن تحقق تقدماً بعد سنوات طويلة من المآزق".

والوحدة السياسية المفترضة، أو غيابها، قد تفضي الى تأثير مضلل على السوق. وقد ساعدت مارينا أزيمونتي وهي أستاذة اقتصاد في جامعة ستوني بروك على تصميم "مؤشر نزاع حزبي" يهدف الى قياس تأثيرات الخلافات السياسية على الاقتصاد. وبشكل نموذجي يرتبط المستوى العالي من التنافر السياسي بالنأي عن الاستثمار.

وفي الوقت الراهن، تناقض قوة سوق الأسهم في وجه الانقسام السياسي المتنامي في البلاد ذلك النموذج.

وفيما أفضى الفشل في جهود الغاء قانون الرعاية المحتملة الى بعض المخاوف إزاء فعالية الكونغرس الآن لم تكن ردة فعل السوق قوية حتى الآن.

الحزب الجمهوري وعد بأشياء ترضي وول ستريت

السمات الإيجابية للسوق حول أجندة ترامب، مثل استثمارات البنية التحتية والغاء التنظيم وخفض الضرائب، قد تكون أدت الى تقوية السوق – حتى مع كونها لم تقنن لبعض الوقت.

وقد تشجع المستثمرون بحقيقة أن إجراءات مثل خفض الضرائب موجودة على الطاولة. ويقول تشيافارون "يوجد اعتقاد بأن شيئاً ما سينجز في تلك الأجندة".

ويعتبر ذلك الاعتقاد كافياً بالنسبة الى الوقت الراهن –ولكن ذلك قد يتغير اذا استغرق الإصلاح فترة طويلة جداً. وحسب ستوفال فإن كانت الأشهر الستة الماضية عملية "خفض توقعات" مع عدم اقرار التشريع الايجابي المتعلق بالسوق والذي أسهم في تحسين الاقتصاد في فصل الربيع.

وول ستريت

لدى وول ستريت البعض من المخاوف ازاء عناصر أجندة ترامب، مثل مقترحات خفض الهجرة الشرعية وزيادة التعرفات التي تقول أزيمونتي إن الاقتصاديين "يميلون الى الموافقة على أنها ليست أشياء جيدة".

ولكن السوق كان بطيئاً في ردة فعله، ويرجع ذلك في جزء منه الى ادراك المستثمرين أنه حتى الاصلاحات الموعودة باندفاع ستواجه معركة حامية في الكونغرس.

ولا يقتصر عمل المستثمرين على ردة الفعل فقط بل على فهم الفارق بين الأخبار والضجة. وحتى مقترحات السياسة الشاملة التي يمكن أن تكون لها تأثيرات اقتصادية بارزة، مثل خفض الهجرة المشروعة بصورة دراماتيكية، تتمتع بالقليل من التأثير مادام المستثمرون يعلمون أن من غير المرجح تمرير التشريع في كونغرس مشكك في وقت قريب.

وقال تشيافارون "من منظور السوق فإن ذلك نوع من عدم الشروع وهو لايهم لأن من غير المحتمل حدوثه".

الأسواق تميل الى الارتفاع بعد الانتخابات

يشير اقتصاديون آخرون الى أن السوق يميل الى التصرف بشكل ايجابي بعد الانتخابات.

وقال جيف هيرش الذي يحرر تقويم تريدر للأسهم "ما ينساه الناس هو أن ذلك لا يتعلق بالضرورة بهذا الفرد وأعماله بذاته بل بدورة الانتخابات ومنتصف الفترة".

وهذا يعني أيضاً أننا يمكن أن نشهد بعضاً من الاضطراب بعد منتصف الفترة في العام المقبل. وقال هيرش "أي تأثير على السوق من الدورة الرئاسية سيتعلق بانتخابات منتصف الفترة في سنة 2018".

وحتى ذلك الوقت، يقول سام ستوفال، إن العدد الأعلى من المعدل في سجلات السوق في هذه السنة هو مؤشر جيد على أن السنة ستنتهي بمعدل قوي. ولكن عدداً من الشكوك تحوم حول السوق. ويحذر تشيافارون من أن استمرار تأجيل التغييرات الضريبية والمعركة بشأن تمويل الجدار الحدودي أو تكثيف التحقيق في قضية تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية قد تكون لها تأثيرات ضارة مؤقتة.

وحسب الشخصية التي ستخلف جانيت يلين في رئاسة مجلس الاحتياط الفدرالي قد يتطلع المستثمرون الى وضع مختلف بشكل كبير. وعلينا الانتظار لرؤية كيف سوف يؤثر الرئيس وسياساته على هذا الاقتصاد.

وقالت أزيمونتي إن "التأثيرات ستشاهد في المسار، ومن المبكر قليلاً أن نعزو أي شيء جيد أو سيئ إلى هذه الإدارة".