لم يكن عبدالحسين عبدالرضا مجرَّد فنان يبحث عن إسعاد الجمهور وإضحاكه وإهمال رسالته الثقافية التي بدأها منذ أكثر من نصف قرن من الزمان. عبدالحسين، الفنان المسرحي بالدرجة الأولى، وبمشاركة رفيقي دربه؛ سعد الفرج والراحل خالد النفيسي، هم مَن شكَّلوا تاريخنا المسرحي، ووضعوا المسرح الكويتي على خريطة المسرح العربي، وخرجوا به قويا متماسكا من دائرة المحلية إلى العربية. فقد تعرَّف الجمهور العربي على حركة مسرحية تستحق الثناء والإشادة في بلد صغير لم يكن ينتبه أحد إلى إمكانياته التي تؤهله ليحتل هذا الموقع. انفصل الفريق الثلاثي؛ عبدالحسين /سعد/ النفيسي، ما أفقد المسرح قوته الفنية، لكن في الوقت ذاته أنتج أعمالا مختلفة للفريقين. استمر الفرج والنفيسي في تقديم روائع من المسرح السياسي، كحامي الديار ودقت الساعة وممثل الشعب، فيما تذبذب عبدالحسين في أعماله المسرحية، وكان يقدم عملا ناجحا وآخر لا يوفق فيه. لكن الجمهور العربي يتذكر للثلاثي عملهم الدرامي الأهم (درب الزلق)، وهو العمل الذي يحتفظ بنسخة منه أغلب الخليجيين، مجسِّدا حياة الكويت في فترة الطفرة المالية التي أعقبت ارتفاع مبيعات النفط.
عبدالحسين عبدالرضا ورفاقه يمثلون مرحلة مهمة من حياتنا الثقافية حين كانت خشبة المسرح تشهد أعمالهم الناضجة والهادفة، قبل أن يحتلها الجيل اللاحق، الذي بالغ في الإسفاف والسطحية، وهبط بالجمهور إلى مستوى متدنٍ من الوعي. خلت الخشبة من ممثليها الكبار، وخلت القاعة من جمهورها الواعي، في انقلاب مثير يعجز الناقد عن إيجاد مبرر حقيقي له، أو يدرس أسبابه الحقيقية.المسرح هو عنوان ثقافة المجتمع ومقياس رقيه وتحضره، والفنان الذي يحافظ على هذا الرقي لا يعمل لمشروع ذاتي، ولا لمكسب شخصي، إنما يعمل لوطن بأكمله يرتقي معه وبه. ومتى ما انهار المسرح انهار معه وعي الناس، وهبط مستوى ثقافتهم، وشاركوا مع الفنان في تشجيع الإسفاف. وكنا، كجمهور، لهؤلاء العمالقة نشعر بالفخر حين يمدح زميل أو ناقد عربي مسرحنا وفنانينا، ونشعر بالخجل حين يكون العكس. والمسرح الذي رعاه زكي طليمات، وقدم من خلاله شبابا كانوا أهلا لتمثيل وعي وطنهم وشعبهم مسرحيا، كان علامة مهمة، وربما العلامة الأهم في الجسد الثقافي الكويتي. وكان عبدالحسين ورفاقه هم فرسان هذا المسرح، وتلاميذ الأستاذ طليمات. وحين انقلب الحال بالمسرح الكويتي كنت أتمنى من هؤلاء الكبار، بعد تلك التجارب المهمة، أن ينسحبوا بهدوء، محافظين على تاريخهم الفني وسمعتهم الفنية التي أفنوا فيها أجمل أيام شبابهم، لكن تلك الإخفاقات لا تلغي أبداً ما قدموه للمسرح وللوطن ولجمهورهم العريض طيلة ذلك الزمن.عبدالحسين عبدالرضا سيبقى علماً من أعلام مسرحنا وحياتنا الثقافية، سنذكر له كل هذا الإبداع الذي قدمه عبر مساحة عريضة من الزمن، وسنغفر له كل زلاته الفنية، وسنظل نحتفي به كما يليق به.
توابل
ليس مجرد فنان
13-08-2017