هل تعيش فلسطين انتفاضة جديدة؟
خلال أسبوع واحد صعدت قوات الاحتلال جرائمها واعتداءاتها، من بلدة إلى أخرى، فمنذ أحداث المسجد الأقصى تتعرض بلدة كوبر إلى هجمات متتالية من قوات الاحتلال التي قامت بتجريف شوارع القرية ونصب السدود الحجرية والترابية لمحاصرة القرية ومنع أهلها من الخروج والدخول، ومع فجر كل يوم يقوم أهل القرية بكل بسالة بإزالة الحواجز وفتح الطريق، ويسطرون ملحمة تضامن وتكاتف مع المتضررين من الاعتداءات، مفشلين أهداف الاحتلال.أما دير أبو مشعل وسلواد فتعرضتا لعمليات هدم لبيوت شهداء وأسرى، وشهدتا اشتباكات مع قوات الاحتلال، واصطدم أهالي بيت ريما ببسالة مع جيش الاحتلال الذي اقتحم البلدة، فأصاب سبعة شبان بجراح بالرصاص الحي وفشل في حملته الاعتقالية.وفي الأسبوع نفسه تعرض مخيم نور شمس ومخيم الدهيشة ومخيم قلنديا ومخيم شعفاط والعيزرية وكفر عقب ومدن الخليل وطولكرم وجنين وبلدات دير استيا وفرعون لحملات الدهم والاعتقال الإسرائيلية، وتصدى أهالي الولجة لجرافات الاحتلال ومنعوها من تنفيذ عمليات هدم في قريتهم، وفي سلوان دهس مستوطن مجرم أربعة أطفال وفر دون أن تتعرض له قوات الاحتلال، أما قرى شمال غرب القدس العشرة فتتعرض لإغلاق متكرر بالحواجز العسكرية يعطل كل مناحي حياتها.
ولا يمر يوم دون أن تعتقل قوات الاحتلال ما لا يقل عن عشرين أسيرا جديدا، أما حي الشيخ جراح المقدسي فيشهد نشاطا استعماريا يسعى إلى تهويده بالكامل، وتتعرض عائلة شماسنة لخطر الترحيل على يد جمعيات استيطانية بحماية نظام القضاء الإسرائيلي، وفي النقب تتصاعد أعمال الهدم والتجريف من أم الحيران إلى قرية العراقيب التي هُدمت أكثر من مئة وست عشرة مرة.هذه الأحداث تمثل نموذجا لما يجري أسبوعيا في فلسطين، ومن المحظور التعود على هذه الأحداث دون فهم مغزاها،فما يجري هو حرب متواصلة تشنها قوات الاحتلال ليس بهدف الحفاظ على الاحتلال فقط، بل لتعميق نظام الأبارتهايد العنصري الذي أنشأته والذي يطول كل الفلسطينيين بغض النظر عن أماكن إقامتهم، وهذه الاعتداءات تستنفر المقاومة الشعبية في كل مكان. لا ينفك الدبلوماسيون والصحافيون الأجانب عن تكرار السؤال، هل نحن على أبواب انتفاضة ثالثة؟ وجوابي لهم، أننا لسنا على أبوابها بل نعيشها أو نعيش بداياتها، فانتصار المسجد الأقصى أظهر قوة المقاومة الشعبية الموحدة، كما أكد أن حكومة نتنياهو لا تفهم إلا لغة القوة.ومع كل اعتقال جديد، وكل هدم جديد، وكل جريح جديد، وكل توسع استيطاني لئيم جديد، تغذي هذه الحكومة قناعة الفلسطينيين بعبثية المراهنة على ما يسمى "عملية السلام" أو انتظار المعونة من الآخرين، وتتعزز قناعتهم بمبادئ الانتفاضة الشعبية الأولى: الاعتماد على النفس، وتنظيم النفس، وتحدي إجراءات الاحتلال. ومن غير المستغرب، وإن كان يثير السخرية، أن كل أجهزة الأمن والاستخبارات ومراكز الأبحاث الإسرائيلية لم تستطع أن تقتنع، أو تقنع حكام إسرائيل بالتعلم من دروس وتجارب الأنظمة الاستعمارية الأخرى، بأن القمع والاضطهاد والتمييز العنصري لا يزيد الشعوب المضطهدة إلا عنادا وإصرارا على الثورة من أجل حقوقها. إن التاريخ لا يكرر نفسه بالصورة نفسها ولا التفاصيل نفسها، فلكل مرحلة خصائصها وميزاتها، ولن تكون الانتفاضة الشعبية الثالثة، إن جاز التعبير، مطابقة لأخواتها، ولعل النضال الوطني الفلسطيني في هذه المرحلة قد اكتسب، ويواصل اكتساب، سمات النضال ضد الأبارتهايد والتمييز العنصري كما يرتدي بصورة متعاظمة طابع المقاومة الشعبية السلمية في معظم الأوقات، وذلك ما يجعله أشد تأثيرا وقدرة كما رأينا في تجربة القدس والمسجد الأقصى، وذلك ما سيحقق اختراقا لوسائل الإعلام الدولية المنحازة للرواية الإسرائيلية بتقديم صورة إسرائيل كما هي، احتلال شرس مدجج بالسلاح يقمع شعبا مناضلا أعزل ولكنه صلب ومثابر في دفاعه عن حقوقه، ومنظومة أبارتهايد عنصرية تشعر كل من يدافع عنها بالخجل والعار، كونها تمارس في القرن الحادي والعشرين. ونحن نذكر التأثير المدمر لسمعة إسرائيل الذي سببه شريط قصير يظهر الجنود الإسرائيليين وهم يكسرون عظام شبان فلسطينيين عزل، ولعل في كل ما يجري رسالة من الشعب للقادة المتنازعين على سلطة تعيش بكاملها تحت الاحتلال والحصار الكامل بأن الأولوية الآن، وبغض النظر عن كل ما جرى في الماضي، للوحدة الوطنية في مواجهة احتلال آن أوان زواله. * الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية