سيجتمع الناس، بكل انتماءاتهم، في مسجد الكويت الكبير، لأداء صلاة الجنازة على الفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا، وإقامة العزاء لاستقبال المعزين لمدة ثلاثة أيام، وهذا حدث نادر ويعني الكثير، لأنه يكشف مدى أهمية هذا الفنان الذي تقام صلاة جنازته بالمسجد الكبير للدولة، وأيضا لتوقع حضور أعداد كبيرة من المواطنين والخليجيين والعرب، ولن يوجد أي مسجد آخر يسعهم، وكذلك لن توجد قاعة أو صالة تكفي لاستقبال وفود المعزين، فهذا عبدالحسين عبدالرضا، الفنان الشامل الذي لا يشبهه أحد، وهو من طراز العمالقة الذين سيخلدهم التاريخ، ولن يغيب ذكرهم بغيابهم.عبدالحسين عبدالرضا ليس فنانا فقط، بل أيضا رمز لمعنى الوطنية الحقة، وسيبكيه الجميع، بكل أطيافهم السياسية واختلاف مراتبهم الطبقية والاجتماعية وانتماءاتهم الدينية، ولن يكون هناك ذكر لمسلم سُني أو مسلم شيعي، أو مسيحي، أو أي انتماء عقائدي أو طائفي، الجميع ستذوب قلوبهم حزنا على فراقه، فهذا الرجل استطاع بقدرة عجيبة جمع وتوحيد مشاعرهم على محبته، حتى نسوا اختلافاتهم بحبه، فالجميع أحبوه واجتمعوا على حبه.
بعيدا عن الفن الذي قدمه وأضحكهم وأسعد أيامهم وحياتهم بذاكرة أعمال مهمة باتت علامة، ليس في وجدان الكويتيين فقط، بل أيضا في وجدان الخليجيين والعرب، فإن سره يكمن في روحه الإنسانية الشمولية، وفهمه العفوي التلقائي لمعنى المواطنة والانتماء وحب الوطن، فهو كويتي قبل كل شيء.عبدالحسين عبدالرضا فنان لديه بكل عرض مسرحي قضية تخص مجتمعه، فهو ليس "كوميديان" مهمته إضحاك وتسلية الناس فقط، بل لديه قدرة خارقة على الغوص في قضايا ومشاكل مجتمعه، وطرحها بأعمال مسرحية مضحكة، لكنها في الوقت ذاته تكشف الجرح النازف فيها، وتدق جرس الإنذار للجميع، وكل أعماله المسرحية هي أرشيف ودليل استشرافي لمعظم المشاكل التي مرت على بلده الكويت. أحيانا تكون له نظرة استباقية للأحداث، وأحيانا تكون مواكبة لها، فهو الذي يشعر ويحس بكل ما يوجع مجتمعه ويؤذيه، لذا تمكَّن من كتابة مسرحياته وإعداد حواراتها والقيام بتمثيلها.من أهم أعماله التلفزيونية مسلسل "درب الزلق"، درة الأعمال الخليجية كلها، وأيقونة لن ينطفئ بريق توهجها، وستبقى حية ومعاصرة لكل الأجيال والأزمنة، حالها كحال "مدرسة المشاغبين"، وأيضا مسرحية "سيف العرب" عملها بعد تحرير الكويت، وبسببها تعرَّض لمحاولة اغتيال، هذه المسرحية من أروع أعماله التي جسَّد فيها شخصية صدام حسين بشكل هزلي ساخر مطابق لواقعه."فرسان المناخ" مسرحية سلطت الضوء على أكبر أزمة اقتصادية هزت بورصة الكويت ودمرت الوضع الاقتصادي للشركات والمؤسسات والأفراد، وكان عبدالحسين عبدالرضا واحدا من هؤلاء المتضررين.لا أحد ينسى مسلسلاته وأوبريتاته التلفزيونية خفيفة الظل الممتعة، الناس في الخليج حفظوها عن ظهر قلب، وخاصة أوبريت "شهر العسل" بجزأيه، مع غنائه المحبب فيه، فهو يملك صوتا مؤديا رائعا، وكذلك خفة في الحركة والرقص المصاحب للأدوار التي تتطلب ذلك، وشكَّل مع الفنانة سعاد عبدالله "ديو" غنائيا لا ينسى.عبدالحسين عبدالرضا، الذي أضحك أجيالا متعددة والأجيال القادمة أيضا ستضحكها أعماله الخالدة، تكرمه اليوم بلاده في فتح مسجدها الكبير للصلاة على جنازته، ويكرمه سمو أمير البلاد، بإرسال طائرة خاصة لتعود به من لندن إلى وطنه.والتكريمات التي نالها بحياته لا تعد ولا تحصى، وليست الكويت وحدها من كرَّمته، بل الدول الخليجية والعربية، كما نال جوائز من المؤسسات الكبرى والأفراد المعروفين، أهمها جائزة الكويت التقديرية، والجائزة التقديرية من قاعدة الملك عبدالعزيز الجوية، وجائزة سلطان العويس. وأهم ما قدمته الكويت له تسمية مسرح رائع باسمه.رحم الله الفنان العملاق الأيقونة عبدالحسين عبدالرضا، الذي لن يجود الزمان بمثله.
توابل - ثقافات
عبدالحسين عبدالرضا رمز للمواطنة
14-08-2017