في تقدمة العدد الأخير من «الثقافة الجديدة»، لفت رئيس التحرير سمير درويش إلى دور ثقافة التنوير في مواجهة الإرهاب، وضرورة تضافر جهود المثقفين ورجال الدين وأساتذة الجامعات، والأجهزة المعنية في وضع أسس علمية وعملية للخطاب الديني، وارتكازه على جناحين، أولهما الأصل الديني الراسخ في القرآن الكريم، كمصدر أساسي للدين الإسلامي، وثانيهما المستحدثات التي أضافتها الحضارة الإنسانية في تطوّرها.

كذلك قدّم الناقد د. محمد عبد الباسط عيد قراءة لكتاب «نظرية التأويل» لمؤلفه الناقد د. مصطفى ناصف، ويتناول مفهومه لمقاربة النصوص الأدبية، ورفضه المناهج الشكلية ذات الصبغة الميكانيكية، التي تعزل النص عن مبدعه ومتلقيه، وتتنكر للتاريخ والذات الإنسانية التي تحاور العمل الأدبي، سواء كان شعراً أو قصة أو رواية، معتبراً أن النقد ليس مواجهة مع النصوص، بل حالة من التحاور بين القارئ بما لديه من خبرة، والمقروء بما ينطوي عليه من حقيقة.

Ad

ألمح عيد إلى مقصد ناصف في فتح نافذة رحبة للحوار مع النص بمفهومه الثقافي، وألا نصير أسرى فكرة «الأدبية» فمن يقرأ نصاً، يفعل ذلك للحاضر، وبتحيزاته الخاصة لصالح اللحظة الآنية، ومن هنا تتشكل ذائقة مغايرة، ويساعدنا هذا على قراءة النصوص التراثية كحركة سارية في الواقع المعاش، ذلك تقديراً لمبدعينا الأسلاف ولذواتنا كقراء تشكل وعيهم بهذا المنجز الأدبي في سياقه التاريخي.

يذكر أن د. مصطفى ناصف أحد أبرز النقاد العرب، حصل على دكتوراه في البلاغة من جامعة عين شمس 1952، وخلال مسيرته قدّم للمكتبة العربية مؤلفات عدة، جمع فيها بين النقدين النظري والتطبيقي، من بينها «ثقافتنا والشعر المعاصر، ونظرية التأويل، وطه حسين والتراث، واللغة بين البلاغة والأسلوبية، وصوت الشاعر القديم، والنقد الأدبي.. نحو نظرية ثانية».

السمان والخريف

في دراسته «النقد النفسي للأدب» تطرق الناقد د. خالد محمد عبد الغني إلى دور التحليل النفسي في قراءة النص الأدبي، وذلك منذ عام 1908، عندما نشر فرويد مقالته عن الشعراء وأحلام اليقظة، كذلك كتاباته التحليلية لأعمال الكاتب الروسي ديستويفسكي مثل «الإخوة كارامازوف» و»الجريمة والعقاب».

وفي هذا السياق، كتب بعض الباحثين الغربيين عن «هاملت» شكسبير و«الغريب» للكاتب الفرنسي ألبير كامو، ومن العرب كان لأستاذ علم النفس د. يحيى الرخاوي قراءته أعمال نجيب محفوظ مثل «السراب» و«السمان والخريف» و«اللص والكلاب»، كذلك كتب عبد الله عسكر عن غياب الأب الرمزي في رواية «الطريق»، وظهرت دراسات حول رواية «يوميات نائب في الأرياف» لتوفيق الحكيم، و«أديب» لطه حسين، وأعمال الكاتبة غادة السمان.

تناول النقد النفسي أيضاً أعمال الشعراء أمثال بدر شاكر السياب، وعبد الرحمن الشرقاوي، وصلاح عبد الصبور في مسرحيته الشعرية «مأساة الحلاج»، وتتناول دراسة الناقد د. مصطفى سويف الأسس النفسية للشعر وللإبداع عموماً، فيما قدّم كتاب «الرمز والحلم والأسطورة» للناقد شاكر عبد الحميد قراءة نفسية لأعمال روائية وقصصية عدة.

انتهى الناقد خالد محمد عبد الغني إلى تراجع مسيرة التحليل النفسي والتيار الموضوعي في دراسة الأدب شعره ونثره، لافتاً إلى ضرورة قيام التيار التحليلي «الإكلينيكي» بدوره في المستقبل، بشرط أن تفسح الدوريات والمطبوعات الثقافية المتخصصة والفعاليات الأدبية لهذا النوع من الدراسات، وتتيح الفرصة لطلاب الدراسات العليا القيام بمثل هذه الأطروحات.

مواعيد الحياة

تضمن ملف العدد «إطلالة على تجربة أمجد ريان» دراسات حول منجزه الشعري، ودوره في الحركة الشعرية المصرية منذ سبعينيات القرن الماضي حتى الآن، وعن تجربته يقول: «تعلم جيلنا الكثير من شعراء مدرسة الشعر الحر، وأنا على المستوى الشخصي انبهرت بفكرة تحطيم الوزن العمودي، واهتممت بنظام الشعر التفعيلي، ودرسته بالتفصيل بجهد ذاتي، قبل أن يدرسوه لي في كلية الآداب جامعة القاهرة».

من جهة أخرى، تضمّن العدد نصوصاً شعرية لأشرف البولاقي وميسرة صلاح الدين وصلاح هلال، وجمال حراجي، ومصطفى فهمي، وقصصاً لمحمد رفاعي ودنيا حسن ومنى عارف وأشرف لطفي وغيرهم، وشهادة «الرواية هي الشكل الحقيقي لكتابتي» للكاتبة الإفريقية نادين جورديمر الفائزة بنوبل، ترجمها الحسين الخضري، وهي تقول إنها كتبت القصة القصيرة في ما بين كتاباتها الروايات، من بينها مجموعة «مواعيد الحياة» وتضمّ ثماني وثلاثين قصة مؤرخة عام 1952، بينما تبقى الرواية الشكل الحقيقي لمنجزها الإبداعي.