يجب أن نقلق من أن تخطئ الولايات المتحدة بدخولها حرباً غير مدروسة في شبه الجزيرة الكورية. ربما هذا كله مجرد خداع، وإن كان كذلك فسيلحق ترامب أذى خطيراً بالسياسة الخارجية الأميركية لأن تهديداته ستبدو فارغة على الأرجح. إذا كانت تلك الكلمات الفضفاضة عن النار والغضب مجرد تكتيكات تفاوض، فلن تحقق ما ترمي إليه الولايات المتحدة لأن الكوريين الشماليين يملكون أسباباً شتى تدفعهم إلى تطوير أسلحة نووية، وسبق أن أعربوا عن رفض مذهل للتخلي عنها والاستسلام للضغوط حتى من حليفهم الرئيس وشريكهم التجاري الصين، ولكن إن لم تكن هذه مجرد مناورة تدرس الإدارة إذاً متى ستطلق الحرب الكورية الثانية، ولهذه الخطوة انعكاسات كبيرة.لا شك أن امتلاك كوريا الشمالية أسلحة نووية يشكّل واقعاً مخيفاً، أكثر إخافة بأوجه عدة من امتلاك السوفيات والصينيين أسلحة نووية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. سبق أن برهنت بيونغ يانغ أنها دولة متهورة تنشر التكنولوجيا النووية، ونفذت أيضاً اعتداءات مميتة على كوريا الجنوبية، منها عمليات اغتيال وهجوم مفاجئ أغرق سفينة حربية كورية جنوبية. فضلاً عن ذلك تعاني هذه الدولة عزلة نفسية وسياسية، مما يجعلها أكثر عرضة لاقتراف الأخطاء في حساباتها.
صحيح أن وزارة الدفاع الأميركية تملك الخيار العسكري الذي قد يقضي على قدرة كوريا الشمالية النووية بضربة، إلا أنها بذلك ستحقق، إنما على نطاق أوسع، ما أنجزته إسرائيل مع مفاعل أوزيراك النووي عام 1981 والمفاعل النووي الكوري الشمالي في سورية عام 2007، كذلك من الممكن (مع أنه أقل احتمالاً) أن تؤدي ضربة مماثلة إلى سقوط النظام الكوري الشمالي أو تدفعه على الأقل إلى التقوقع بدل أن يرد بضربات قوية تستهدف كوريا الجنوبية، أو اليابان، أو قواعد أميركية. ما هذه إلا تخمينات.رغم أن الخطر الذي تشكّله كوريا الشمالية كبير، يجب أن ندرس الحرب الوقائية بعناية، متفادين في الوقت عينه الاندفاع نحوها بتهور، ولكن يبدو أن إدارة ترامب لا تأخذ في الحسبان واقع أن أكثر من نصف الشعب الأميركي، فضلاً عن الكثير من الشعوب الأخرى، يعتقدون أن الرئيس يفتقر إلى النزاهة والمصداقية، وإذا قرر ترامب خوض حرب في ظل ظروف مماثلة، يخاطر بمواجهة شقاق ومعارضة في الداخل والخارج يتخطيان ما شهدته حقبة حرب فيتنام.الولايات المتحدة ليست جاهزة بكل بساطة للحرب في كوريا، فهي ليست مستعدةً لدبلوماسية زمن الحرب التي تتيح لها التحكم في حلفائها الخائفين أو الغاضبين، فكم بالأحرى الصينيين والروس؟ بالإضافة إلى ذلك، لا تملك وزارة الخارجية مرشحاً لمنصب مساعد وزير الخارجية لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ، ويرأس الوزير راهناً فريقاً متقلصاً من الدبلوماسيين اليائسين. صحيح أن الجيش الأميركي يملك الطائرات الكافية ليلحق الضرر بالمواقع النووية الكورية الشمالية، إلا أنه يخوض أيضاً حرباً في أفغانستان، والعراق، وسورية، ويعود إلى أوروبا ليعزز قوات الردع هناك. علاوة على ذلك عانت القوات المسلحة سنوات من تجميد الإنفاق الناجم عن عمليات حجز الأموال الفدرالية، مما يعني أنها لم تجدد ترسانتها أو تشارك في تدريبات ملائمة. ورغم الوعد بضبط هذا الوضع بجدية أكبر من خلال كبير موظفي البيت الأبيض الجديد الجنرال جون كيلي، تتواصل التغريدات المجنونة وتنطلق التهديدات العابرة بالحرب من رجل يمارس لعبة الغولف خلال العطلة الصيفية.قد تؤول هذه الأمور إلى نتائج أسوأ بكثير مما يظنه مستشارو الرئيس الحذرون الذين يعرفون معنى الحرب (مع أنها حرب أقل عنفاً مما قد تواجهه الولايات المتحدة في كوريا). وإذا كانت معمعة الحرب هذه مجرد خدعة أخرى من خدع ترامب، فسيتضح ذلك. وكما هي الحال دوماً مع خدع ترامب، سيُضطر آخرون إلى تحمل العواقب فيما يواصل هو لعب الغولف.* إليوت أ. كوهين* «أتلانتيك»
مقالات
الولايات المتحدة ليست جاهزة للحرب في كوريا الشمالية
14-08-2017