تمتلك مؤسسة البترول الكويتية جهاز تسويق النفط والمنتجات، والذي يُعد من أقدم قطاعات التسويق في المنطقة، ويدير شبكة من المكاتب الإقليمية التي تعمل كذراع تسويقية في شتى المراكز العالمية بشرق آسيا (مكتب طوكيو، سنغافورة، سيئول، بكين) وأوروبا (مكتب لندن). ويقوم قطاع التسويق العالمي بتسويق قرابة 3 ملايين برميل يوميا، ويملك هذا القطاع الكثير من الكوادر الوطنية والخبرات التي صنعت الكثير من الإنجازات، كان آخرها إبرام عقود استيراد الغاز المسال، والذي وفَّر الكثير على الميزانية العامة.

قطاع التسويق العالمي يسوق المنتجات البترولية التي تكررها المصافي الكويتية بسعة تكريرية تقارب 900 ألف برميل يوميا (قبل إغلاق مصفاة الشعيبة)، إضافة إلى تسويق قرابة مليوني برميل من النفط الخام، بما يكفل التدفقات النقدية، وتنويع الأسواق، والحفاظ على معدلات مخاطر متدنية لمورد الكويت الوحيد.

Ad

شركة المتاجرة لتسويق منتجات مصفاة الدقم، المزمع إنشاؤها، ستقوم بتسويق 100 ألف برميل فقط يوميا من المنتجات، أي ما يعادل أقل من ربع إنتاج مصفاة ميناء الأحمدي، أو 10 في المئة‏ من السعة التكريرية بالكويت.

والسؤال: لماذا لا تقوم منظومة جهاز التسويق العالمي بتسويق نصيب المؤسسة من منتجات مصفاة الدقم، وتجنب أي نوع من ازدواجية المهام، أو التعارض في استهداف الأسواق النفطية؟

جهازان للتسويق لدولة واحدة

وجود جهازين للتسويق بالدولة يخلق حالة من الإرباك والفوضى والتضارب لدى العملاء، تصل إلى التنافس بين التسويق وشركة المتاجرة الجديدة، لاستهدافهما نفس السوق والعملاء. وأكبر دليل على ذلك، قرار الشقيقة قطر، بدمج شركة تسويق مع شركة قطر للبترول، لإنهاء حالة التعارض بين الشركات الزميلة.

والسؤال: هل نتعلم من تجارب الغير، أم ننتظر لننشئ شركة المتاجرة، ونرجع إلى غلقها بعد تحمُّل النفقات الطائلة، للوصول إلى النتيجة التي وصل إليها أقراننا بالمنطقة؟

إضعاف جهاز التسويق

في الوقت الذي تبرر إدارة المؤسسة إنشاء شركة المتاجرة، بأنها تسعى إلى تعظيم القيمة المضافة من عمليات التسويق، تقوم نفس الإدارة بإغلاق مكاتب التسويق العالمية (مكتب هيوستن)، وتقليل التمثيل في مكاتبها، من حيث العدد والمناصب الإدارية (مكاتب طوكيو وبكين) من رئيس فريق إلى ممثل مبيعات.

وتقوم إدارة المؤسسة حاليا بإغلاق الكثير من الشواغر الإدارية بالتسويق العالمي شملت مساعد العضو المنتدب للمبيعات، ومديري ورؤساء فرق.

والسؤال: عندما تحرص المؤسسة على الحصول على القيمة المضافة في عمليات التسويق، لماذا تعكف في الوقت ذاته على إضعاف التسويق العالمي عن طريق دمج هياكله وإغلاق مكاتبه، وتقليل التمثيل فيها، وبالمقابل تبرر إنشاء شركة المتاجرة، بتعظيم القيمة المضافة لتسويق النفط؟

معاكسة توجه الدولة

منذ أن هبطت أسعار النفط ووصلت إلى 30 دولارا للبرميل، ما شكَّل عجزا جاريا للميزانية، صدرت توجيهات من مجلس الوزراء بتقليل النفقات، وتقليص الهياكل الإدارية، وهذا ما دفع إدارة مؤسسة البترول إلى إلغاء الكثير من الشواغر، ودمج المناصب، بداعي تقليل النفقات، وذهبت إدارتها إلى أكثر من ذلك، بالتوجه نحو إلغاء المزايا المالية للموظفين، ما أفضى إلى الإضراب العام السنة الماضية.

لكن أخيرا بدأت إدارة المؤسسة تبني توجه معاكس لتوجهات مجلس الوزراء، بزيادة الإنفاق، عبر إنشاء شركات جديدة، مثل كيبك، والتي ستعنى بتكرير النفط (مهمة شركة البترول الوطنية) وصناعة البتروكيماويات (مهمة شركة صناعة البتروكيماويات)، ما ينذر بتفاقم الإنفاق، وإنشاء شركات تتقاطع مهامها مع شركات قائمة. وفي السياق ذاته، تقوم الإدارة نفسها بإنشاء شركة المتاجرة، التي ستثقل كاهل الميزانية بهياكل إدارية مكلفة، لتقوم بعمل مهام يقوم بها قطاع التسويق العالمي في مؤسسة البترول.

والسؤال: إذا كانت إدارة مؤسسة البترول ترفع شعار تقليل النفقات ودمج الهياكل والكفاءة الإدارية، وفي الوقت ذاته تقوم نفس الإدارة بتوسيع الإنفاق، عبر إنشاء شركات جديدة بمهام تتضارب مع شركات وطنية قائمة، فأي التوجهين نصدق؟!

صعوبة الرقابة والتدقيق

لا شك في أن وجود الشركة المزمع إنشاؤها، ومقرها إمارة دبي، يعني ضعف قدرة الأجهزة الرقابية للدولة، سواء التدقيق الداخلي أو ديوان المحاسبة، بالقيام بمهامها للتدقيق على سلامة الإجراءات الإدارية والمهنية للشركة على أكمل وجه، ما يُنذر بإمكانية التستر على أي تجاوزات، بعيدا عن عيون الرقيب بالدولة.

فمثلا، شركة أرامكو للمتاجرة مقرها الظهران، وشركة تسويق القطرية مقرها في الدوحة. وإن كان المبرر أن دبي مركز إقليمي للتواصل مع الشركات النفطية العالمية، فيوجد أكثر من 18 رحلة يومية من الكويت إلى دبي، والتواصل مع تلك الشركات في دبي أصبح أسهل من أي وقت مضى.

والسؤال: لماذا لم يتم إنشاء شركة المتاجرة في الكويت، بدلا من دبي، لتكون تحت الرقابة والتدقيق، ولا ضير في ذلك، لاسيما أن النفط هو المدخول الوحيد للدولة؟

غياب الشفافية

منذ بدء توارد المعلومات عن شركة المتاجرة، والضبابية تخيَّم عليها. ففي الوقت الذي قام المجلس الأعلى للبترول باعتماد شركة المتاجرة لتسويق منتجات الدقم فقط، تبيَّن أن إدارة المؤسسة لا تنوي اقتصار نشاط الشركة على منتجات الدقم فحسب (لانعدام الجدوى من إنشائها، لقلة الكميات المنتجة من مصفاة الدقم)، بل تنوي تخصيص جزء من منتجات النفطية المنتجة من الكويت، لتقوم الشركة الجديدة بتسويقها مستقبلاً.

والسؤال: هل قامت إدارة المؤسسة بإعلام المجلس الأعلى للبترول بهذه المعلومات؟

من جهة أخرى، في الوقت الذي هرولت إدارة المؤسسة إلى تمرير اعتماد شركة المتاجرة من "الأعلى للبترول"، لتكون مملوكة بالكامل لها، ومقرها في دبي، تواردت معلومات بأن هناك لجنة معنية بالتسويق العالمي مازالت تعكف على دراسة إطار عمل شركة المتاجرة. فهل تكون مملوكة بالكامل، أم بشراكة مع إحدى الشركات العالمية؟ وكان من المفترض أن تقدم تقريرها خلال الأشهر المقبلة.

والسؤال هنا: هل تم إعلام "الأعلى للبترول" بعمل اللجنة المعنية؟ ولماذا لم تنتظر إدارة المؤسسة انتهاء اللجنة المعنية بالتسويق العالمي من تقريرها، وعرضه على "الأعلى للبترول"، قبل اعتماد شركة المتاجرة، لتعزيز الشفافية مع أجهزة الدولة، فضلا عن التعامل مع المجلس الأعلى وكأنه مكتب اعتماد معاملات؟

مخاطر المتاجرة بالنفط

المتاجرة بالمنتجات النفطية تستلزم استخدام أدوات التحوط والمضاربة، والتي تحتوي على معدلات خطورة عالية قد تعرِّض مورد الكويت الوحيد للخطر. ولا يمكن القيام بنشاط المتاجرة دون التعامل بتلك الأدوات. فهذه الأدوات هي نفسها التي قادت شركة بيمكس الوطنية بالمكسيك إلى خسارة قرابة 800 مليون دولار، وشركة الصين أفيشن الوطنية إلى خسارة 500 مليون دولار. والسؤال: هل تمت دراسة المخاطر المنضوية تحت إنشاء شركة المتاجرة وكيفية حوكمة تلك المخاطر أو التعامل معها؟ وهل تمت إحاطة المجلس الأعلى للبترول بتلك المخاطر وكيفية التعامل معها؟

شبهة تدليس على «الأعلى للبترول»

تم الحديث عن أن مؤسسة البترول الكويتية ملزمة بإنشاء شركة متاجرة، وفقا للاتفاقية مع شركة عمان للنفط لتسويق منتجات مصفاة الدقم، لكن مصادر أكدت أن الجانب العماني لم يلزم أو يطالب المؤسسة بإنشاء شركة المتاجرة، لكن إدارة المؤسسة هي من بادرت إلى ذكر شركة المتاجرة في الاتفاقية، لتسهيل اعتمادها من "الأعلى للبترول". فإذا صحَّت هذه المعلومات، هل يمكن أن تكون هناك شبهة تدليس على "الأعلى للبترول" من إدارة المؤسسة، لتسهيل تنفيذ أجندات لا يعلم أحد تداعياتها.