بين الحاجة الفعلية وسياسة "التضبيط" المتبعة في وزارة التربية، يعاني الميدان التربوي أزمة على مدى السنوات الماضية تتمثل في انتداب الكثير من اعضاء الهيئات التعليمية من معلمين ومعلمات وشاغلي الوظائف الاشرافية التعليمية في المدارس إلى مكاتب قياديي الوزارة وقطاعاتها المختلفة بل وحتى إلى جهات عمل خارج الوزارة، حيث يتم ندب بعض المعلمين ورؤساء الاقسام ومديري المدارس إلى جهات عمل غير جهاتهم الاصلية مع احتفاظهم بمسمياتهم الوظيفية وكوادرهم المالية بشكل كامل، الأمر الذي يتسبب في ارتباك الميدان التربوي لاسيما الادارات المدرسية التي تعاني الأمرين بسبب هذه السياسة حيث تتضرر الجداول المدرسية وتوزيع الحصص على المعلمين اضافة إلى حدوث فراغ في المناصب الاشرافية في المدارس نتيجة وجود الاشخاص المنتدبين خارج مقار عملهم طوال الاسبوع دون الاستفادة منهم في هذه المناصب.وتتبادر إلى الأذهان تساؤلات كثيرة حول مدى أهمية ندب هؤلاء الأشخاص ومدى الحاجة الفعلية لخدماتهم في مكاتب القياديين، لاسيما أن الوزارة مليئة باصحاب الخبرات من الاداريين العاملين في ادارات وقطاعات الوزارة والذين يمكن الاستفادة منهم في تنفيذ ما يكلف به هؤلاء المنتدبون، فهل يكون ندبهم في هذه الحالة نوعاً من أنواع "التضبيط" على حساب مصلحة العمل وانتظام العملية التعليمية في المدارس الحكومية؟، لاسيما أن ندبهم بهذه الطريقة مع احتفاظهم بالمزايا المالية والكوادر على الرغم من عدم ممارستهم لمهامهم الوظيفية الاصلية بالتدريس يثير الشبهات حول المبالغ التي يتسلمونها شهريا والتي قد تدخل ضمن أبواب هدر المال العام للدولة.
كما أن المتابع للشأن التربوي يلاحظ وجود نفس الأشخاص المنتدبين على مدى أكثر من 6 أعوام متتالية في مكاتب بعض الوكلاء دون تغيير، وهم أنفسهم شاغلو وظائف اشرافية في مدارسهم من رؤساء أقسام ومديرين مساعدين بل وحتى مديري مدارس، الأمر الذي يتسبب بكل تأكيد في التأثير على العملية التعليمية في هذه المدارس اضافة إلى كونهم يحصلون على الكوادر المالية والمزايا من عملهم في وظائفهم التعليمية ويتمتعون كذلك بالمكافآت والمزايا الاخرى من المكاتب والقطاعات التي انتُدبوا إليها والتي لا تخلو من اللجان وفرق العمل، الأمر الذي يعكس وجود منافع مالية كبيرة لهؤلاء على حساب زملائهم في نفس المهنة، ومع حصولهم على كل هذه المزايا المالية والمنافع لا يقومون بأي عمل من ضمن اختصاصاتهم الوظيفية التعليمية، اذ إنهم لا يقومون بالالتزام بقرارات الندب الصادرة لهم والتي تقضي بندبهم جزئياً، أي أنهم ملزمون بالدوام في مدارسهم ليوم أو يومين، في حين أن الواقع يؤكد أنهم ملتزمون بالدوام في أماكن ندبهم ولا يباشرون العمل في مدارسهم مطلقا.ومع قرب تطبيق قرار وزير التربية وزير التعليم العالي د. محمد الفارس القاضي بالغاء جميع قرارات الندب والتكليف لجميع اعضاء الهيئات التعليمية والذي من المقرر أن يطبق في الأول من سبتمبر المقبل، يبرز تحد جديد يكمن في امكانية تطبيق هذا القرار على الجميع، وهل سيطبق الغاء الندب على الجميع أم سيستثنى منه المقربون وبعض الاشخاص المحسوبين على بعض الوكلاء المساعدين؟ حيث يؤكد الكثير من التربويين المطلعين أن القرار سيطبق على البعض بينما سيظل بعض المنتدبين "المقربين" من بعض القياديين على وضعهم دون أن يطرأ أي تغيير على قراراتهم.في موازاة ذلك يأمل أهل الميدان التربوي أن يساهم قرار مجلس الخدمة المدنية الاخير بفرض البصمة على جميع موظفي الدولة ومن ضمنهم المعلمين والمعلمات في المدارس في تكريس مبدأ العدالة وكشف المتلاعبين في مسألة الحضور، حيث إن تطبيق القرار سيجعل من سياسة "التضبيط" أمراً مكشوفا لاسيما أن المنتدبين سيضطرون للذهاب إلى مدارسهم لإثبات الحضور والانصراف من خلال اجهزة البصمة، أم أن "الواسطة" ستظل فوق القانون وسيحصلون على استثناءات في عملية استمرار الندب والإعفاء من البصمة؟ ومن الجائز كذلك أن يتم نقل بصمتهم إلى ديوان عام الوزارة بذريعة "حاجة العمل" كما يحصل دائما.
محليات
تقرير محلي : ندب المعلمين إلى مكاتب القياديين... حاجة أم «تضبيط»؟
14-08-2017