سيكولوجيا محيرة
مصطلح «سيكولوجيا محيرة» أطلقه الكثيرون، منهم الصحافي اللبناني رياض الريس، دون أن يذكر سببا محددا، وإن كان باعتقادي أن التسمية تعود للمسار المتنوع الذي يحدد علاقاتنا كدول.
هل سيكولوجيتنا محيرة أم أيديولوجيتنا متشابكة؟قد يبدو السؤال مضحكا، لكنها مصطلحات أطلقها بعض المهتمين بالسلوك السياسي في عالمنا العربي على سلوكياتنا وعلاقاتنا بالدول الأخرى، ومصطلح "سيكولوجيا محيرة" أطلقه الكثيرون، منهم الصحافي اللبناني رياض الريس، دون أن يذكر سببا محددا، وإن كان باعتقادي أن التسمية تعود للمسار المتنوع الذي يحدد علاقاتنا كدول. فتباشر دولنا علاقاتها الخارجية في إطار الصداقة، وإن شعرت ببوادر أزمة في الأفق تنتقل العلاقة من الصداقة إلى الوساطة، أما إذا تشابكت الأهواء "الأيديولوجية" فتدخل العلاقات مراحل من التصدع لا يداويها إلا المؤتمرات الطارئة، وقد يكون لعلاقاتنا باليمن نصيب من "السيكولوجية المحيرة".
فعندما يأتي موضوع اليمن أعود إلى أوراقي القديمة التي أدون فيها زياراتي وقراءاتي في التاريخ، الذي أستنجد به بحثا عن تفسير للحاضر. وقد حظيت بزيارة اليمن مرتين: الأولى في نهاية السبعينيات وسط المدعوين من قبل الاقتصادي المرحوم أحمد الدعيج، للاطلاع على الاستثمارات الكويتية في اليمن، وأما الزيارة الثانية ففي شهر يونيو عام 2006 لحضور مؤتمر صنعاء حول الديمقراطية والإصلاح السياسي وحرية التعبير بتنظيم من وزارة الخارجية اليمنية. ورغم التباين الزمني بين الزيارتين فإنني لم أجد تغييرا يذكر، فما زال جمال صنعاء العمراني لافتاً للنظر وجاذباً لعشاق التصوير، وما زالت لغة الشكوى لدى اليمنيين حول تحول الأراضي من زراعة الفاكهة إلى القات الذي أيضا لم تتغير طقوسه قائمة. حتى سوق الملح وهو سوق شهير في صنعاء وجدت فيه الباعة في منتصف النهار منتظرين فترة التخزين بفارغ الصبر رغم تحذير اللجنة الصحية بالأمم المتحدة من خطورته.اجتذب اليمن العديد من الكتاب والباحثين الغربيين في فترة الستينيات، أذكر منهم "فريد هاليداي" أستاذ العلاقات الدولية بكلية لندن للاقتصاد، ففي كتاباته حول اليمن يشير إلى الفروق في الشمال والجنوب، الشمال الجمهوري والجنوب القبلي المنظم على طريقة الإنكليز والذي لم يحظ باقترابه من السوفيات أثناء الحرب الباردة إلا بأسلحه بالية ودوامات من الانقلاب التي لا تتوقف. واهتمامي بالتاريخ الدبلوماسي أعادني أيضا إلى عام 1979 لأبحث في الوثائق بمكتبة جامعة الكويت عن قمة الكويت والدورة الاستثنائية التي عقدت بشهر مارس آنذاك، وتمخضت عنها قرارات لرأب الصدع بين اليمنين، صدرت نتاجا عنها لجنة الوساطة، وانسحاب القوات المسلحة للطرفين خلال مدة محددة، ومنع الأطراف المتنازعة من التدخل بالشؤون الداخلية، فما كان من لجنة الوساطة إلا الالتزام بمراقبة تنفيذ الشروط فضا للنزاع.واليوم وقد اشتعلت الحرب في اليمن وتشكلت حزمة من الدول لإنقاذ المنطقة رافعة شعار "الحزم" نتأمل أن تتحول الجهود إلى مبادرات إنسانية لإنقاذ اليمن، أما منطقتنا فقد عادت الخلافات وسط دول الخليج، فهل تأتي جهود الوساطة الكويتية بثمارها وتنتهي بتعهدات وشروط مقبولة لجميع الأطراف أم أننا سنعود إلى "السيكولوجيا المحيرة"؟