لأزمة كوريا الشمالية تداعيات خطيرة على الشرق الأوسط... لماذا؟
بيونغ يانغ بعيدة جداً عن طهران، وتبدو الأزمة التي ولّدها التقدّم السريع في قدرات كوريا الشمالية النووية والصاروخية وعززها رد فعل الرئيس الأميركي العدائي بعيدة عن مشاكل الشرق الأوسط، ولكن من الخطأ أن نعتقد أن ما يحدث في شبه الجزيرة الكورية لا تأثير له في الجهود المستقبلية لكبح لجام برنامج إيران النووي.سبق أن أشار ترامب إلى أنه يظن أن إيران لا تلتزم بروح الاتفاق النووي، وذكر أيضاً أنه كان يود سحب الثقة من إيران لعدم التزامها بشروط البرنامج في مطلع هذه السنة، وأنه ينوي القيام بذلك قريباً. إذاً نعلم أن ثمة أزمة تعتمل تحت الرماد لن تضع الولايات المتحدة في وجه إيران فحسب، بل ستؤجج أيضاً، على ما يبدو، التوتر بين الولايات المتحدة والأطراف الخمسة الأخرى في الاتفاق الإيراني، فلا تشاطر هذه الأطراف ترامب وجهة نظره، ومن المستبعد، كما يتضح، أن تجاريه في مقاربة المواجهة التي يتبعها.أعادت كوريا الشمالية توجيه أنظار الولايات المتحدة إلى خطر الحرب النووية الملموس، لم تركّز وسائل الإعلام الأميركية، منذ أزمة الصواريخ الكوبية، إلى هذا الحد على احتمال تعرض الولايات المتحدة لضربة نووية من دولة مارقة، وفي أراضي غوام الأميركية، أصدر مسؤولو الأمن الوطني توجيهات عما يجب القيام به إذا وقع اعتداء، منها نصائح مثل عدم النظر مباشرة إلى كرة النار النووية، كذلك بثت شبكة "سي إن إن" هذه التحذيرات في الولايات المتحدة. نتيجة لذلك لم يتضاعف مستوى القلق فحسب، بل ازداد أيضاً الوعي العام لمخاطر الانتشار النووي.
ستخدم هذه الأزمة، بغض النظر عن نتائجها النهائية، مصلحة ترامب عندما يسعى إلى تقويض الصفقة النووية الإيرانية وتعزيز الضغط على طهران. قد يقدِم ترامب على هذه الخطوة بسبب رغبته التلقائية في محو إرث أوباما، لكن المفارقة، التي تعود في جزء منها إلى رد فعل ترامب غير المتزن تجاه سلوك كيم يونغ أون، تكمن في أن الشعب الأميركي بات مقتنعاً بحتمية هلاكه إذا اكتسب نظام معادٍ قوة الأسلحة الذرية المدمرة العنيفة. نتيجة لذلك صاروا يفكرون اليوم أكثر من أي وقت مضى في التحديات الخاصة التي تمثلها دول لا تشكّل لاعبين منطقيين ولا تتأثر بقوة الردع، بالإضافة إلى ذلك نشهد اليوم مناقشة متجددة لمخاطر الدول النووية التي قد تسمح بوقوع أسلحة دمار شامل بين أيدي إرهابيين. صحيح أن هذه المخاوف ترتبط بكوريا الشمالية، إلا أنها تنطبق بالتأكيد على إيران أيضاً. لهذا السبب سيحظى ترامب على الأرجح بدعم أكبر لتقويضه الصفقة النووية أو على الأقل تعزيز الضغوط على إيران، وسيشدد معارضوه، وهم مصيبون إلى حد ما، على أن التجربة الكورية الشمالية تُبرز في الواقع فوائد عقد صفقة كتلك التي وُقعت مع إيران. ولكن في نهاية المطاف يتمتع الرئيس بهامش تحرك كبير في هذا المجال، ومع الأحداث الأخيرة لن يرغب القادة الجمهوريون في الكونغرس على الأرجح في الإعراب عن الضعف بمخالفة وجهات نظره.تزداد هذه المسائل تعقيداً مع اقتراب رياح الفضيحة من البيت الأبيض، ويرى ترامب أن لدقه طبول الحرب المثير للجدل بشأن كوريا الشمالية ما يعتبره تأثيراً مرحباً به أبعد الأنظار عن التحقيقات في روابط فريقه مع روسيا ومشاركة هذا الفريق في الجهود الروسية لتغيير مسار الانتخابات الأميركية الأخيرة. يعتقد ترامب، على ما يبدو، أن المواجهة والخطاب العنيف يجعلانه يظهر بمظهر الرئيس القوي، كذلك يلقيان ترحيباً من جزء من قاعدته كان يظن أن أوباما ضعيف. إذاً، حوّل موقف ترامب هذا عناوين الأخبار في اتجاه يشعر براحة أكبر في التعاطي معه، وإذا أضفنا إلى ذلك عدداً من المتشددين في المسألة الإيرانية المحيطين به وانزعاجهم العام من فكرة أن سياسة الولايات المتحدة في سورية والعراق قوّت إيران، نلاحظ أن احتمال أن يشهد فصل الخريف المقبل تصاعداً كبيراً في التوتر بين إيران والولايات المتحدة قد تضاعف كثيراً خلال الأيام القليلة الماضية.* ديفيد روثكوبف* «ذي ناشيونال»