اختيارات حطب الدامة
أرسل صديق عبر "الواتساب" صورة قطعة قماش عليها حطب الدامة، بمناسبة التعيينات الأخيرة لأعضاء مجلس التخطيط. وانتقد النائب عبدالكريم الكندري، ومعه النائبة صفاء الهاشم طريقة الاختيار الحكومية لمثل تلك المناصب، النائب عبدالكريم قال إن "المجلس الأعلى للتخطيط قد لا يملك القرار، لكنه يعكس فكر حكومة لا تستطيع أن تتخذ القرار، بعيداً عن كتيب الأسماء التي بحوزتها، ولا عزاء للكفاءات". (القبس عدد الأربعاء)سواء كانت التعيينات في مجلس التخطيط أو في أي إدارة عليا للدولة، بما فيها مجلس الوزراء ذاته، فإنها تتم بطريقة نقل حطب الدامة من مكان متقدم إلى متأخر أو العكس، أو عبر اختيار نجوم الدولة من كتيب واحد لا تعرف السلطة قراءة غيره، فالأمر، في كلتا الحالتين، وصفة كاملة الدسم لدولة المحسوبيات العشائرية المنغلقة التي تغطي عيوبها وعوارها بورقة الدينار، وهنا لا مكان للمفاضلة حسب الكفاءة والإنتاج، وإنما حسب المعرفة الشخصية، و"إذا حبتك عيني ما ضامك الدهر"، وهذه قاعدة مطلقة شبه مقدسة عند جماعة الحكم، لا تقبل التغيير ولا التبديل، سواء كنا في أجمل أيامنا أو أسوئها، وسواء حققت الميزانية العامة فوائض خيالية أو عجزاً رهيباً كما هو حادث اليوم.
هناك رأي يشبِّه وضع هذا المجلس (التخطيط) بالقاطرة، فيكفي أن هناك ثلاثة أو أربعة أشخاص جيدين، يمكنهم أن يَجروا بقية عربات القطار، ولو كانت تلك العربات الأخيرة فارغة بدون محتوى ولا بضاعة تحملها، وهذا صحيح، لكنه ليس بيت القصيد هنا، فالموضوع المؤلم هو نهج الاختيار وطريقة الإدارة عند الحكم، فما كان يمكن تفويته والسكوت عنه بمضض أيام العز وثراء الدولة لا يمكن تقبله اليوم والدولة واقتصادها يمران بأصعب أيامهما؛ فالتحديات الاقتصادية في غياب أي أمل لتعافي أسعار النفط مع حالة شبه ركود اقتصادي بالعالم، والمستنقع الأمني الخطير المحيط بالدولة، كلاهما يمليان على إدارات حصيفة واعية يفترض أنها تعلمت من تجاربها التاريخية الفاشلة المرة تلو المرة، ضرورة أن تغير نهجها وطريقتها في إدارة الأمور بالدولة، وكان عليها أن تقتنع بأن ما صلح في الماضي لم يعد صالحاً اليوم، وأشخاص الإدارة الذين فشلوا بالأمس لا يرتجى منهم أن يقدموا شيئاً في الحاضر.لا معنى لأن نكرر أمثالاً مثل "هذا سيفوه..."، أو نستذكر عبارة "على من تقرأ مزاميرك يا داود"، فآخر ما تحتاجه الدولة، وهي بحالتها "الكسيفة" اليوم، ونحن ما زلنا في أول الطريق الوعر، هو ذلك العناد والإصرار على النهج المهترئ ذاته بدولة المحسوبيات والترضيات على حساب الكفاءة ومعايير العدالة وحكم القانون، ولم يعد مفهوماً ولا مقبولاً أن نسمع حكايات يرددها الكثيرون بأن كل شيخ متمكن يأتي للوزارة يفرض وزيراً آخر معه في التشكيل الوزاري، وأن هذا الشخص الذي عين أخيراً في ذلك المنصب محسوب على فلان كمسؤول كبير، أو أحد أفراد الأسرة الحاكمة، توقفوا عن لعبة الدامة قبل أن تلعب بنا الأيام.