نعق غراب الشؤم من عاصمة الضباب، فطارت أسراب الفكاهة تبحث عن ملاذ لها وتخشى الغياب، ويتوجس قلب بوعدنان الذي اتسع للحب والشوك بالخيفة والارتياب، يرتبك... يخفق... يسرع... يبطئ... ويخفت فجأة فقد أنهكته الأوصاب، ووجوه المحيطين تسكنها الدهشة ويكون الاضطراب، وتتبعثر أوتار قيثارة الضحك ويدنو وقت الغياب، يهبط الإيقاع والدموع تنساب، فالكل يذرف دماً في حضرة أبجدية الكوميديا، ويُكتم الانتحاب.ومن عاصمة الضباب وهو في الاغتراب، يغادرنا شارد بن جمعة الشخصية التي أداها عبدالحسين عبدالرضا في مسرحية "باي باي لندن" في يوم الجمعة، ويرحل متأبطا قاموس فرحنا المكتنز بدعاباته الجميلة و"إفيهاته" الراقية، غادرنا روحا بعدما استقر في وجداننا قدوة وإنسانا وغرس في نفوس مريديه الابتسامة ونثر أكاليل الفكاهة.
اشتهر الراحل بتأليف وكتابة معظم أعماله، وكانت له تدخلات كثيرة تصب في مصلحة العمل الذي لم يكن من تأليفه، لكن سيناريو مراسم الدفن لم يكن من بنات أفكاره، ولم يتدخل فيه، فجاء المشهد الأخير عفوياً بدافع الحب، الكل أتوا... من الكويت ومن دول مجلس التعاون الخليجي لوداع الراحل، يريدون أن يكونوا ضمن هذا المشهد الذي كانوا دائماً خارج إطاره، أردوا أن يلقوا النظرة الأخيرة على نجمهم المفضل، فكان مشهد الوداع الأخير بمنزلة انتفاضة حب للفن الجميل الذي قدمه بوعدنان.كان الراحل يجيد التقاط "الإفيه" بحرفية يقل نظيرها، وكأنه حينما أبصر النور صرخ بـ "الإفيه"، مدشناً مشوار حياته المرصع بالنجاح والتميز والتفوق.عبدالحسين فيلسوف الكوميديا الكويتي والخليجي يغيب، وستبقى إلى الأبد نفحات الكوميديا البيضاء التي قدمها على مدار أكثر 50 عاماً، وسيبقى إكليل التراجيديا المتوج به حسين بن عاقول وهو يحمل أحلامنا في الثراء وانكساراتنا في فشل مشروع مصنع الكبريت الوطني، سنتذكر دروس الحب العفيف التي قدمها عتيج المسيان وهو يئد عشقه ويكتم عواطفه لتنعم نورة بالسعادة، وكلما قلبنا في فصول الانتماء وجدنا درساً خصوصياً في حب الوطن ونبذ الطائفية.
توابل
المشهد الأخير
17-08-2017