تناغمت الصور في معرض «المكتبة... المدينة: رؤى فوتوغرافية» بأشكال فنية قدّمت بانوراما رفيعة وكاشفة تراوحت بين التدرجات اللونية للأبيض والأسود وما بينهما من ألوان متأملة وعفوية. الصور بمنزلة سردية مرئية لم تبخل أبداً بكشف تقاطعات الفن والثقافة، ونطقت بخطوط الجغرافيا والتاريخ حيث ذابت الفوارق بين الدورب التي يسلكها الفوتوغرافيون والأدباء والفنانون، وفاضت الأعمال بحكايات عن الشوارع والبنايات القديمة وتفاصيلها الدالة على مشاعر ووقائع مختلفة، التي اكتظت بالرموز والإشارات على طبائع الناس في مناطق تباينت بين الشعبوية والرقي.
قدَّم المشاركون في المعرض صورهم من دون أية تدخلات لبرنامج التحسينات «الفوتوشوب». وكشفوا لـ{الجريدة» في هذا الشأن: «اتفقنا على أن يخلو المنتج التصويري من أية تدخلات لبرامج التحسينات الرقمية وأن تنضح اللوحات بمعان فنية وثقافية بحتة لا وجود فيها لاستخدام التقنيات والمعالجات التكنولوجية»، مفسرين ذلك: «أردنا مساندة الواقع الافتراضي، وإضفاء أبعاد جمالية بمهارة وحرفة تشير إلى الحس الذي يتمتع به الفوتوغرافيون»، علماً بأن بعضهم ليس محترفاً، وكان شرط الجميع: مجموعات لونية كاملة تركها أصحابها من دون تدخل تقني.
توثيق الواقع
ترأس الفنانة سلوى رشاد اللجنة الفنية لاختيار الأعمال المشاركة، وتذكر لـ«الجريدة» في هذا المجال: «نظمنا المعرض في إطار الاحتفال باليوم العالمي للتصوير الفوتوغرافي»، مشيرة إلى أن معايير اختيار الأعمال المشاركة تقوم على أن يجمع بينها نسق خاص اتفق عليه ممثلو الإدارة الثقافية وفرعها الخاص بتنظيم المعارض والمقتنيات الفنية في مكتبة الإسكندرية». وترى رشاد أن الحدث فريد من نوعه تناغمت فيه أبعاد فنية وثقافية بمزيج رائع لا يدركه إلا من يقوم بجولة في أروقة المعرض، مشيرة إلى أن طبيعة الأعمال المشاركة تتنوع بين توثيق الواقع الحالي ومحاكاة معطياته، كذلك رصد مبانٍ عريقة وأجواء تاريخية تخللتها روح التراث، وثمة قطع جمالية لمشاهد الناس اليومية، وصور تسرد الكثير عن صيادين وعمال وأسر صغيرة وبسطاء، ولم يفت المصورون بالطبع تسجيل أطر تخطف الأنظار لأروقة مكتبة الإسكندرية وقاعاتها، ونوافذها المطلة على عالم خاص يعرفه أهل الإسكندرية، وهو «بحرها الساحر».رشاد تقول إنها تشجع بشدة محاولات توثيق العالم الخاص بالفوتوغرافيين، لأنه غني بوجبات متنوعة بصرية وثقافية وفنية، وكل مصور يحاول أن يصنع «حكايته» عبر الصورة، وكثير من المصورين ابتكر جواً أسطورياً جسّد فيه كامل قدراته ليعكس رؤيته للعالم عبر إطار الصورة، لافتة إلى أنه رغم خلو الصور من تدخلات برامج التحسين التكنولوجية، فكثير من الأطر صادف لحظات غرائبية ومشاهد تطوف بعقل المتلقي إلى جماليات غير معتادة، عبر تقاطعات وخطوط نسجتها الكادرات المتقنة.وتذكر أنها المرة الأولى التي تفتح فيه مكتبة الإسكندرية إحدى أكبر قاعاتها لمعرض كامل للتصوير الفوتوغرافي، ورغم أن هذا الفن يندرج دوماً تحت مظلة الفعاليات التشكيلية، فإن الطبيعة المميزة للأعمال المعروضة تجبرك على التفاعل معها والاحتفاء بها.الدكة وتفاصيل معمارية
يقول الفنان المشارك في المعرض إسلام سعيد: «كنت أتجوّل بالكاميرا، وأدرك تماماً المقاصد التي أتوجه إليها ولم تكن جولاتي عشوائية. حاولت إعمال قراءة مكثفة لأحياء شعبية وشعائر دينية، وكنت أهدف إلى إيصال رسائل محددة عبر الصورة. منطقة كوم الدكة كانت ملهمة بالنسبة إليّ، فملامح الناس هناك يجب تسجيلها والاحتفاء بها».ويضيف: «تجنبت أن أثرثر عبر الألوان، مفضلاً الارتكان إلى الأبيض والأسود، فاللونان محملان بكثير من المشاعر والروحانيات، ولديهما كامل القدرة على خطف العين إلى منعطفات مميزة».الفنانة نهى هانو تشارك بفاعلية في المعرض عبر لوحات عدة، تقول عن صورة لقصر عريق يجاور كلية الفنون الجميلة، إنه زاخر بالتفاصيل المعمارية التي لديها القدرة على أن تسرق الأنفاس، وثمة صور لمجموعة صيادين التقطتها من أعلى بشكل مميز، واهتمت بجودة التكوين والتلوين ومراعاة العلاقات المتوازنة بين مكونات الصورة والكتل المكونة لها.وعن بقية الأعمال المعروضة، تذكر إن المعروضات تمزج رؤى مختلفة كلاسيكية ووثائقية وحداثية، ونجحت الفعالية في أن تكون حدثاً ثقافياً بامتياز، وكثير من الدروس التي تتعلق بالإبداع وإيقاع الوحات الغني، والحكايات التي تسكن عقلك بمجرد النظر إليها، كلها أمور تحكم بالنجاح على المعرض الذي تستضيفه مكتبة الإسكندرية.