الشعب الكردي ضحية إخلاصه للأمة الإسلامية
لم يكن دور الأكراد في التاريخ الإسلامي هامشيا أبدا، بل كان رائدا ومؤثرا في نشر مفاهيمه الحضارية بالعالم، فلولا جهودهم المتواصلة وإخلاصهم المنقطع النظير للدين الحنيف ما وصل الإسلام إلى ما وصل إليه من رفعة مكانة وشأن عظيم بين الأمم قديما وحديثا، فكانوا بحق «رأس حربة» الإسلام، على حد قول الكاتب المصري الدكتور فهمي الشناوي، في معظم فتراته.لم يصادف أن ظهر بينهم أحد يشق عصا الطاعة على الخلفاء وأولياء أمور المسلمين ويثور عليهم أو يدعو إلى أفكار وفلسفات دخيلة تناقض مبادئ الإسلام، ولم تظهر في بلدانهم فرق وجماعات خارجة عن الإسلام تدعو إلى البدع والضلالة، كما ظهرت في بلدان إسلامية أخرى، والتي ما زالت الأمة تدفع ثمنها وتكتوي بنارها إلى اليوم.
فبرز منهم قادة فكر وسياسة عظام ساهموا بشكل مباشر في التقدم الحضاري والثقافي الذي شهدته الأمة عبر تاريخها الطويل، وأول من يتبادر إلى الأذهان ويبرز أمامنا بقوة، كلما تذكرنا دور الأكراد الحضاري في الإسلام، هو القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي، الذي أظهر براعة سياسية عالية في قيادة الأمة الإسلامية، ولم تكن عظمة صلاح الدين (1138م - 1193) تكمن في أنه حرر القدس من براثن الصليبيين، واستطاع ــ بذلك ــ أن يؤخر الدورة الاستعمارية «الغربية» عن العالم الإسلامي مدة تزيد على سبعمئة سنة (كان من المفروض بحسب التحليل العسكري والدراسات الاستراتيجية أن يتم احتلال البلدان الإسلامية من قبل القوات الأوروبية الصليبية المتحالفة في زمن صلاح الدين الأيوبي لو قدر لها الانتصار على جيش المسلمين، وليس في مستهل القرن العشرين عام 1916 بعد سقوط الخلافة العثمانية وتوزيع تركتها على الحلفاء)، بل استطاع أن يحقق إنجازا عظيما آخر، ربما لا تقل أهميته عن تحرير القدس والانتصار على الصليبيين، وهو أنه استطاع التصدي للدولة الفاطمية الباطنية الإسماعيلية التي كانت تنشر ثقافة التشيع في مصر وشمال إفريقيا وتشكل استفزازا مستمرا للخلافة الإسلامية في بغداد لينشئ على أنقاضها دولته «الأيوبية» التي استمرت من عام 1174م حتى 1342، واصل الأكراد فيها دفاعهم عن حياض الإسلام وتصديهم للبدع وأهلها كلما اقتضت الضرورة. ولم تقتصر جهود الأكراد على الجوانب العسكرية فقط بل امتدت إلى الجوانب الثقافية والفقهية أيضا، فكان لهم دور ريادي في مجال تجديد الفكر الإسلامي وإحياء واستنهاض معالمه الحضارية، ومن أبرز فرسان هذا الميدان بلا منازع الإمام المجدد ابن تيمية الحراني (1263م - 1328) رائد الإسلام السياسي المعاصر والأب الروحي لكثير من الحركات والأحزاب والعقائد الإسلامية المعاصرة، دخل كصاحبه، صلاح الدين، في حرب ضروس لا هوادة فيها مع أصحاب البدع والأهواء والفرق الضالة، وانتصر عليهم واستطاع أن يظهر الوجه الحقيقي للإسلام بعد أن كاد يختفي تحت ركام البدع الضالة والأفكار الدخيلة.فهل عرفت لماذا ظل الأكراد بدون وطن إلى الآن، مقسمين وفق اتفاقية «سايكس بيكو» الغربية الاستعمارية على ثلاثة بلدان إقليمية لها خلفية عدائية تاريخية معهم، ولماذا فرضت الحكومة الطائفية في بغداد عليهم حصاراً جائراً لا مثيل لقسوته ووحشيته على مدار تاريخ المنطقة؟!* كاتب عراقي