الديون لم تختفِ، واستمر تعويم النظام المالي من خلال معدلات الفائدة المتدنية جداً.بعد مرور عشر سنوات، علق البنك الفرنسي "بي إن بي باريباس" بشكل مؤقت تعامله مع ثلاثة صناديق، مشيراً الى "تبخر تام للسيولة في ميادين معينة من أسواق الأسهم الأميركية". واعتبره العديد من الناس بداية انهيار في الائتمان، ولكن ذلك يمكن أن يرجع الى عملية "بير ستيرنز" التي هدفت الى انقاذ صناديق التحوط التي استثمرت في رهونات عقارية مدعومة بأسهم في شهر يونيو الماضي، أو مؤشرات التخلف عن السداد في قروض المنازل وفشل شركات الاقراض العقارية التي برزت في سنة 2006.
والتشديد الذي شهدته أسواق الائتمان بعد ذلك، وفقدان الثقة في النظام المصرفي، قد أفضيا في نهاية المطاف الى انهيار بنك ليمان براذرز عندما وصلت الأزمة الى ذروتها في خريف عام 2008.والسؤال المحتم في مثل هذه الذكرى السنوية هو: هل يمكن أن يحدث ذلك ثانية؟ لقد ارتفع اجمالي الديون بدلاً من أن ينخفض، خلال العقد الماضي، ووصل الى 217 تريليون دولار أو 327 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، بحسب معهد التمويل الدولي، ولكن الديون كانت موزعة بصورة مختلفة عن تلك التي شهدها عام 2007، وكانت في معظمها ترجع الى حكومات وبنوك مركزية. ونظراً لأن هذه البنوك ليس لديها حوافز للضغط على الدول من أجل التسديد فقد تبددت أجواء الأزمة المحتملة، كما أن لدى البنوك المزيد من رأس المال ما يجعلها آمنة بقدر أكبر، اضافة الى أن معدلات الفائدة المتدنية جعلت خدمة الديون محتملة بشكل أوسع بالنسبة الى المستهلكين والشركات.وعلى الرغم من ذلك نحن لم نقترب من الظروف "العادية"، اذا صح التعبير، مع أن الاقتصاد الأميركي كان يعيش فترة من التعافي لمدة طويلة كما هبطت معدلات البطالة، ومجلس الاحتياطي الفدرالي يتقدم بحذر شديد في معدلات أكثر تشدداً، ولم يبدأ البنك المركزي الأوروبي ولا بنك انكلترا وبنك اليابان هذه العملية في الأساس.وفي ضوء هذا كله، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو من أين سوف يكون مصدر الأزمة المالية التالية؟ ومن الواضح أن الاحتمالين المطروحين في هذا السياق هما حدوث ارتفاع حاد في التخلف عن السداد (ما يفضي الى فقدان شركات الاقراض للثقة) أو زيادة كبيرة في معدلات الفائدة (والتي سوف تحقق الحصيلة ذاتها). ويمكن أن يحدث التخلف عن السداد من دون ارتفاع في معدلات الفائدة اذا دخل الاقتصاد مرحلة الركود، ويمكن أن ينجم ذلك عن اندلاع حرب مع كوريا الشمالية أو نزاع تجاري مع الصين.كما يمكن أن ينجم عن مشاكل ديون داخلية في الصين نظراً لأنها المكان الذي تركز فيه النمو الأخير في الديون، أو ربما يحدث ذلك في أسواق سندات الشركات التي تتسم بقدر أقل من السيولة عما كان الحال عليه في الماضي، وتكون النتيجة عمليات بيع ناجمة عن هلع المستثمرين في صناديق السندات، وتشمل الاحتمالات الأخرى ديون الطلاب وقروض السيارات حيث انتشرت تلك العمليات من جديد. والإمكانية الأكثر احتمالاً هي حدوث خطأ في السياسة النقدية، وعندما بدأ مجلس الاحتياطي الفدرالي باستخدام التيسير الكمي أشار العديد من الناس الى "مبدأ الكاتشاب" في المخاطر الناجمة عن التضخم (عندما تخض زجاجة الكاتشاب قليلاً سوف يتدفق الكثير بعدئذ). وتجدر الاشارة الى أن التضخم لم يحدث ولكن يوجد خطر في أن تطور السياسة سوف يظهر أن كل شيء يبدو هادئاً الى أن ينهار السوق بصورة مفاجئة. وقد حدث شيء مماثل في سنة 1994 عندما تأثرت أسواق السندات بصورة سيئة نتيجة الجولة السابقة من تشديد مجلس الاحتياطي الفدرالي، ومن المحتمل تماماً أن يتحمل مجلس الاحتياط الفدرالي المسؤولية عن ذلك ليس فقط لأنه كان الأول الذي بدأ بالتشديد بل لأن السياسة النقدية الأميركية تتسم بتداعيات واسعة في شتى أنحاء العالم، من خلال الدولار ونتيجة الثقل الكبير للاقتصاد الأميركي في الناتج المحلي الاجمالي العالمي، وهكذا يمكن القول إن الأزمة المالية التالية قد تأتي من واشنطن على أي حال.
مقالات
أين ستحدث الأزمة المالية العالمية التالية؟
19-08-2017