كشف مصدر معني في وزارة المالية قنبلة من العيار الثقيل بشأن ملف تطبيق ضريبة القيمة المضافة (Value added tax أو اختصاراً T.V.A) الذي تسوق له الوزارة منذ أشهر طويلة مضت، وأنها ملتزمة بتطبيقه اعتباراً من مطلع عام 2018، لكنها في واقع الأمر لم تستعد على صعيد الكوادر المتخصصة سواء فنياً أو إدارياً أو النظام المحاسبي والفني، الذي يضمن تطبيق ملف معقد كضريبة القيمة المضافة، فلا تنسيق ولا اختيارات على صعيد الاستعدادات للتطبيق، رغم أن الملف على بعد أربعة أشهر من التنفيذ، فضلاً عن أنها تحتاج إلى قانون. وقال المصدر لـ"الجريدة"، إن الأمر نفسه ينسحب على مستوى الشركات، فمعظم شركات ومؤسسات القطاع الخاص تعاني حالياً نقصاً كبيراً في الكوادر الكفوءة لتطبيق الحوكمة والالتزام بقوانين مثل قانون هيئة أسواق المال، فما بالنا في دولة غير ضريبية مثل الكويت يتم تطبيق قانون القيمة المضافة في ظل نقص الخبرات المؤهلة والمدربة وحتى الأنظمة والبنية التحتية والثقافة الخاصة بهذه الضريبة.
وكشف المصدر على سبيل المثال حالياً في ملف الضريبة المفروض على الشركات المدرجة "دعم العمالة ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي، والزكاة "مليء بالازدواجة والأخطاء، التي سبق أن اعترضت عليه الشركات القابضة لأنها تسدد مرتين، وهو ملف بسيط للغاية فكيف بتطبيقات القيمة المضافة، التي تطبق للمرة الأولى، وفي ظل نقص شديد للكوادر والأنظمة الضريبية.وشدد مصدر مالي محاسبي خبير بالأنظمة الضريبية على أن هذا الملف معقد جداً لناحية التطبيق، ويحتاج إجراءات واستعدادات فنية عالية، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن نصائح صندوق النقد الدولي في هذا الملف والمجربة في أكثر من 120 دولة ليس بالضرورة أن تنجح في الكويت وأسواق الخليج ذات الطبيعة الخاصة جداً، فكثير من أنظمتها يقوم على مبدأ الاقتصاد الريعي، "وفجأة تتخذ إجراءات صعبة بلا استعدادات فنية مما يربك معه كل الأسعار، ويضغط على مستويات التضخم، ويخلق آثاراً سلبية في هذا الملف.وأوضح المصدر أنه في ظل الوضع الحالي للكويت، التي تشهد تأكيدات رسمية من وزارة المالية على المضي قدماً نحو التطبيق، دون أن توضح ما الاستعدادات الفنية، يمثل أمراً مستغرباً، مبيناً أن تطبيق قانون ضريبة القيمة المضافة، الذي التزمت به الكويت ضمن نطاق خليجي بنسبة 5 في المئة قد يكون ذا كلفة عالية ومردوداً متواضعاً جداً للدولة، علاوة على أثره المحدود في معالجة عجز الميزانية، "فببساطة لجم الهدر في أبواب عديدة يمكن أن يعالج 85 في المئة من عجز الميزانية.
فقرة مجهولة
وعملياً، يعي وزير المالية وفريقه جيداً أن المضي قدماً في تطبيق قانون ضريبة القيمة المضافة، يمثل قفزة نحو المجهول، وسيخلق مواجهة حادة مع مجلس الأمة، الذي يجب أن يقره ويوافق عليه قبل المضي قدماً في التطبيق. في سياق آخر، أفاد مصدر وزاري في "المالية" بأنه مقابل الإيجابيات التي أبرزتها عدة دراسات لدى الوزارة أمامها أيضاً جملة سلبيات يسعى فريق وزارة المالية إلى تخفيفها أو تجميلها نسبياً، ومن أبرز تلك السلبيات مايلي: 1- أكلاف وأعباء عالية لتجهيز الأنظمة والبنية التحتية الرقابية والإشرافية وتدريب الكوادر لمتابعة الملف. 2- على الرغم من إعفاء بعض السلع الأساسية والضرورية حياتياً، مثل الأطعمة والأدوية إضافة إلى الصادرات النفطية والخدمات المالية فإن التوقعات تشير بشكل مؤكد إلى أن مستويات ارتفاع أسعار السلع سيزيد على 6 في المئة بعد تطبيقها مباشرة. 3- احتمالات تفاقم معدلات التضخم عالية، حيث من المرتقب أن تقفز من مستوى 3.8 في المئة على أساس سنوي إلى نحو 6.7 في المئة. 4- الغالبية العظمى من الشركات ومكونات السوق ليس لديها أي إدارات متخصصة للتعامل مع هكذا ملف، كما أنه ليس من الحصافة أن يقوم مراقبو الحسابات بكل كبيرة وصغيرة مالياً وضريبياً، علماً أن تطبيق هذا الملف سيحتاج إلى تحديثات لأنظمة الشركات. 5- ستكون هناك تأثيرات سلبية غير مباشرة سيصعب ضبطها، وارتفاعات الأسعار، التي صاحبت زيادة البنزين خير مثال على ذلك، فحتماً ستتآكل الدخول، لكن نسب التأثيرات ستكون متفاوتة بحسب صرف كل فئة. 6- في نهاية المطاف المتضرر الأبرز في هذا الملف هو المستهلك، وأي زيادة على الشركات ستنعكس على المستهلك، فالقيمة المضافة تفرض على مبيعات كل من المنتجين وتجار الجملة والتجزئة والمستوردين، ولا تفرض على إجمالي القيمة النهائية، بل على القيمة المضافة، التي توضع عليها في مرحلة المحاسبة الضريبية ليكون مجموع القيمة المضافة إلى هذه السلعة مساوياً القيمة النهائية للمنتج، مما يؤكد مدى التعقيدات الفنية والإجرائية في تطبيقها.7- تأثيرها سيتفاوت بتفاوت نمط حياة الأفراد وسلوكهم الإنفاقي، لكن في ظل ضعف الرقابة ستنفلت أسعار سلع أساسية، وسيتسع الأثر ليشمل حتى السلع المستثناة.8- تحذر مصادر فنية في وزارة المالية من الترويج بأن ضريبة القيمة المضافة لا تحصل من المستهلك لأنها موجهة للمؤسسات والأفراد المكلفين سدادها لا أنه في نهاية المطاف سيتم تحميلها للمستهلك على شكل زيادات في سعر بيع السلعة أو الخدمة.وتساءل المصدر: لم لا تنشر المالية بشفافية ووضوح مالذي ستحققه من إيرادات فعلية مقابل كلفة تطبيق ضريبة القيمة المضافة وكذلك الإيجابيات مقابل السلبيات، حتى يمكنها أن تحصل على الدعم المناسب لتطبيق القيمة المضافة؟ورأى أنه في ظل ارتفاعات أسعار البنزين وتحريك أسعار الكهرباء، وجمود الرواتب سنوات مقبلة، في ظل تراجعات أسعار النفط، وعجز الميزانية، وتردي حالة الكثير من الخدمات، فإنه يصعب التطبيق في المواعيد المحددة لمجرد الالتزام بالتطبيق مع دول الخليج مطلع 2018.بلا جدوى مالية وسياسية
يؤكد الخبير الاقتصادي والمصرفي علي البدر أن الضريبة المضافة على السلع والخدمات ستؤدي تلقائياً، بما لا يدع مجالاً للشك، إلى ارتفاع الأسعار وتخفيض مستوى المعيشة. وقال البدر، إن الحكومات تفرضها عادة لزيادة حصيلة الضرائب عندما تكون في حاجة إلى دخلها، ويحرص السياسيون والحكومات في الدول الديمقراطية على تفادي فرضها أو زيادتها إلا عند أمس الحاجة، بسبب ردود الفعل السلبية، التي تترتب عليها بين المواطنين، خصوصاً من الطبقة المتوسطة والأقل دخلاً. ولفت إلى أن فرض هذه الضريبة في الكويت في الظروف الحالية لن يكون سهلاً في تقديره لأسباب عدة، اللهم إذا تم فرضها على السلع التفاخرية مثل السيارات الفاخرة والملابس والإكسسوارات الفخمة الغالية. وأضاف، أنه حتى في هذه الحالة فإن حصيلة هذه الضريبة ستكون ضعيفة بسبب محدودية مصادرها، وقد تغطي حصيلتها تكاليف إدارتها ومصاريف احتسابها وتحصيلها ومتابعة المتخلفين عن سدادها. وأعرب البدر عن تفهمه لتعديل أسعار الخدمات، التي تقدمها الدولة للمواطن، بما يقربها من تكلفتها الفعلية ويخفف من استهلاكها، فهذا توجه لازم من الناحية الاقتصادية وممكن من الناحية السياسية، لكن وبشكل عام "لا أرى جدوى سياسية أو مالية حقيقية لفرض الضرائب في اقتصاد أحادي الدخل تملك الدولة فيه أغلبية الأ نشطة المدرة للدخل الحقيقي، وتعتمد عليه الأغلبية الساحقة من المواطنين على مدفوعات الحكومة كمصدر الدخل الوحيد لهم، وبحيث تؤدي أي زيادة في الأسعار إلى مطالبات صاخبة من هؤلاء بزيادة مماثلة في تلك المدفوعات! وفي الخلاصة شدد البدر على أن الحقيقة الاقتصادية الأساسية تبقى ثابتة لا تتغير ولا يمكن تفاديها، وهي أن الإصلاح الحقيقي للاقتصاد في الكويت، والأسلوب الأول والناجع للتنمية هو تقليص هيمنة الجهاز الحكومي المفرطة على أكثر من ٧٠ في المئة من الأنشطة الاقتصادية والخدمية تملكاً وإدارة، فتتوفر من خلال ذلك تدريجياً مئات الفرص التنموية الحقيقية يستثمر فيها المواطنون مدخراتهم، ويخف اعتمادهم على رواتب الدولة ويتطور الاقتصاد وينمو ويزدهر ويتنوع، فيصبح قوياً منتجاً متنوعاً، وموفراً لفرص عمل حقيقية ومنتجة، فتتوفر، آنذاك فقط، بيئة اقتصادية دسمة تمكن قيام نظام ضريبي منطقي ومناسب للاقتصاد، وخلافاً لذلك، فإننا سنظل نحفر أكثر في تلك الحفرة التي أوقعنا أنفسنا فيها!الجميع سيعانون
من جهته، قال رجل الأعمال عضو مجلس إدارة غرفة التجارة والصناعة عبدالله الملا، إنه حتما مع تطبيق القانون الجميع سيعانون سواء القطاع خاص أو المستهلكون، داعياً إلى ضرورة الاستمرار في إصلاح الخلل الهيكلي في المصروفات وإدارة الأموال العامة والهدر وبعدها يتم الاتجاه إلى الضريبة.وأضاف الملا أن مستويات الأسعار سترتفع، كما ستطال الاتهامات القطاع الخاص والشركات بأنها تتسلط على جيوب المستهلكين، في حين الضريبة قرار حكومي أولاً وأخيراً.ودعا إلى ضرورة إيضاح ماهية السلع المعفاة، التي سيشملها القانون بوضوح، مؤكداً أنه ليس مع تطبيقها لأنه سيكون هناك صعوبة وعدم قدرة في السيطرة على التضخم.