لا يوجد سبب واحد للإرهاب
سُئل موسى أوكابير، أحد المتهمين بقيادة سيارة الإرهاب، وقتل وجرح العشرات في برشلونة، في موقع للتواصل الاجتماعي، ماذا ستفعل لو حكمت العالم؟ فأجاب: أقتل الكفار غير المؤمنين، وأترك المسلمين المؤمنين (غارديان 19 أغسطس)، إجابة معقولة، وتنسجم تماماً مع ثقافة الفرقة الناجية الوحيدة والبقية في النار، ولكن هذا لا يفسر عند الكثيرين كيف أضحى الإرهاب اليوم مرافقاً للعقيدة الإسلامية، رغم كل مقولات المدافعين عن الإسلام بأن الإرهاب لا يمثل الإسلام ولا المسلمين، ورغم مشاعر الغضب عند الإسلاميين السياسيين عندما تلصق تلك التهمة بالمسلمين، فيردون بأن اليساريين العرب كان لهم السبق في عالم الإرهاب حين كانوا يخطفون الطائرات ويفجرونها في سبعينيات القرن الماضي وغيرها من أعمال الإرهاب، فلماذا ننسى التاريخ؟لكن هذا الدفاع لا ينفي واقع أن من يمارس الإرهاب اليوم هم جماعات مسلمة تعتقد بصدق ما تفعله، وأنها منسجمة حسب فهمها للعقيدة مع واجبها الديني. لنقر بأن أكثر أعمال الإرهاب اليوم أبطالها من المسلمين الموحدين، ولنقر أيضاً بأن أكثر ضحايا هذا الإرهاب هم أيضاً من المسلمين بالدرجة الأولى؛ سواء كانوا في سورية أو العراق أو اليمن أو في كثير من الأقطار الإسلامية، وأيضاً هناك ضحايا أكثر من المسلمين والعرب من إرهاب الدولة الرسمي في كثير من الدول العربية، وأغلبها دول قمعية فاسدة، حرثت في بيئتها كل أسباب قيام الرفض لها، وكان الفكر الديني الإسلامي هو السلاح العقائدي للنضال ضد تلك الأنظمة بعد فشل القومية العربية واندثارها إثر هزيمة 67، ونهوض "حضارة بترودولار" الخليجية وترويجها لذاتها كبديل للقومية الناصرية، ثم زج تلك القوى الغنية نفسها كسلاح فعال للحرب الدينية الجهادية ضد "الكفار الشيوعيين" في أفغانستان بتحريض ومباركة أميركية وغربية.
الإرهاب بكل صوره لن يتوقف في أوروبا، فهو ضريبة التدخل الأوروبي في المنطقة العربية الإسلامية، بتعبير روفايلو بنتوشي في عدد "الفايننشال تايمز" أمس، ولكن الخطأ حين نعزو الإرهاب لسبب واحد مهيمن ونهمل بقية الأسباب، فليس التراث الإسلامي وجمود التفسيرات السلفية المنغلقة هما المسؤولان الوحيدان، وليس الاستعمار وإرهابه التاريخي للمنطقة هو السبب اليتيم للإرهاب، فكثير من دول العالم الثالث تجرعت مرارة الاستعمار، لكنها لم تنتج إرهاباً مرعباً، وأيضاً لم يكن الفقر أو البؤس الاقتصادي سبباً لتفرد الشعوب العربية بالإرهاب اليوم، فما أكثر الدول الفقيرة المتحررة من الاستعمار، ولكنها لم تصنع ثقافتها الإرهاب، ولم تكن فقط الثورة الإيرانية عام 79، والتدخل السوفياتي في أفغانستان، ثم تجييش جماعات الجهاد من الدول الخليجية النفطية، وبدعم من أميركا الريغانية، (هما السببان الوحيدان) لانتشار ظاهرة الإرهاب في تاريخنا المعاصر.الإرهاب هو نتاج كل الأسباب السابقة، وليس هو بجديد على الحضارة الإنسانية، أوروبا في نهايات القرون الوسطى، ومع ولادة البروتستانتية شهدت مذابح مروعة بين أتباع المذهب الأخير والكاثوليكية، مثلما كانت قبلها الحروب الصليبية وتصوير المسلمين بالكفار المحرفين، وأيضاً مارست المسيحية العنف الإرهابي مع غير المؤمنين في لحظات انتشارها وتبنيها كديانة للدولة من الملك الروماني قسطنطين.يبقى أن نتساءل في النهاية ما إذا كان إجهاض حركة الربيع العربي وملاحقة أصحابه من قوى الرجعية والدولة العميقة يمكن عده أحد أهم أسباب إرهاب اليوم، يمكن ذلك من دون نسيان أسباب سبقته.